فجملة العلوم التي هي كالآلة للمفسّر ، ولا تتمّ صناعته إلّا بها ، هي هذه العشرة : علم اللغة ، والاشتقاق ، والنحو ، والقراءات ، والسير ، والحديث ، وأصول الفقه ، وعلم الأحكام ، وعلم الكلام ، وعلم الموهبة.
فمن تكاملت فيه هذه العشرة واستعملها ، خرج عن كونه مفسّرا للقرآن برأيه. ومن نقص عن بعض ذلك ممّا ليس بواجب معرفته في تفسير القرآن ، وأحسّ من نفسه في ذلك بنقصه ، واستعان بأربابه ، واقتبس منهم ، واستضاء بأقوالهم ، لم يكن ـ إن شاء الله ـ من المفسّرين برأيهم.
وأخيرا قال : ومن حقّ من تصدّى للتفسير أن يكون مستشعرا لتقوى الله ، مستعيذا من شرور نفسه والإعجاب بها ، فالإعجاب أسّ كل فساد. وأن يكون اتّهامه لفهمه أكثر من اتّهامه لفهم أسلافه الذين عاشروا الرسول وشاهدوا التنزيل وبالله التوفيق (١).
ولقد أحسن وأجاد فيما أفاد ، وأدّى الكلام حقّه في بيان الشرائط التي يجب توفّرها في كل مفسّر ، حتى يخرج عن كونه مفسّرا برأيه ، وبشرط أن يراعي تقوى الله ، فلا يقول في شيء بغير علم ولا كتاب منير.
قال جلال الدين السيوطي : ولعلك تستشكل علم الموهبة ، وتقول : هذا شيء ليس في قدرة الإنسان. وليس كما ظننت من الإشكال ، والطريق في تحصيله ارتكاب الأسباب الموجبة له من العمل والزهد. قال الإمام بدر الدين الزركشي : اعلم أنه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي ، ولا يظهر له أسراره ، وفي قلبه بدعة أو كبر أو هوى أو حبّ الدنيا ، أو هو مصرّ على ذنب ، أو غير متحقّق
__________________
(١) مقدمته في التفسير ، ص ٩٣ ـ ٩٧.