خلقهم أمواتا ثم أماتهم بعد الحياة (١).
وهذا باطل لا يجري على لسان العرب ؛ لأن الفعل لا يدخل إلّا على ما كان بغير الصفة التي انطوى اللفظ على معناها ، ومن خلقه الله ميتا لا يقال له : أماته ، وإنما يقال ذلك فيمن طرأ عليه الموت بعد الحياة (٢) ؛ ولذلك لا يقال : جعله الله ميّتا إلّا بعد ما كان حيّا. وهذا بيّن.
قال : وقد زعم بعضهم أن المراد بقوله : (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ) الموتة التي تكون بعد حياتهم في القبور للمسائلة ، فتكون الأولى قبل الإحياء والثانية بعده.
وهذا أيضا باطل من وجه آخر ، وهو : أن الحياة للمسائلة ليست لتكليف فيندم الإنسان على ما فاته في حياته ، وندم القوم على ما فاتهم في حياتهم مرّتين ، يدل على أنه لم يرد حياة المسائلة ، لكنه أراد حياة الرجعة التي يكون لتكليفهم الندم على تفريطهم ، فلم يفعلوا فيندمون يوم العرض على ما فاتهم من ذلك (٣).
وسئل السيد المرتضى علم الهدى عن حقيقة الرجعة ؛ لأنّ شذاذ الإماميّة يذهبون إلى أن الرجعة رجوع دولتهم في أيّام القائم عليهالسلام ، من دون رجوع أجسامهم.
فأجاب قدسسره بأنّ الذي تذهب الشيعة الإماميّة إليه : أنّ الله يعيد عند ظهور إمام
__________________
(١) ذكر الفخر الرازي أن كثيرا من المفسّرين قالوا بأن الموتة الأولى هي الحالة الحاصلة عند كون الإنسان نطفة وعلقة ، ورجح ذلك بقوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) ، ورتب على ذلك إنكار الحياة البرزخية في القبر. (التفسير الكبير ، ج ٢٧ ، ص ٣٩)
(٢) أما قوله تعالى : وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ البقرة / ٢٨. فلأن الميّت يصدق على ما لا حراك فيه ولا حياة منذ البداية ، نظير الموات من الأرضين.
(٣) المسائل السروية (ضمن رسائل المفيد) ، ص ٢٠٨ ـ ٢٠٩.