الزمان المهدي عليهالسلام قوما ممن كان قد تقدم موته من شيعته ، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ومشاهدة دولته ، ويعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم ، فيلتذّوا بما يشاهدون من ظهور الحق وعلوّ كلمة أهله.
والدلالة على صحة هذا المذهب أن الذي ذهبوا إليه بما لا شبهة على عاقل في أنه مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه ، فإنّا نرى كثيرا من مخالفينا ينكرون الرجعة إنكار من يراها مستحيلة غير مقدورة.
وإذا ثبت جواز الرجعة ودخولها تحت المقدور ، فالطريق إلى إثباتها إجماع الإمامية على وقوعها ، فإنّهم لا يختلفون في ذلك ، وإجماعهم قد بيّنّا في مواضع من كتبنا أنه حجة.
وقد بيّنّا أن الرجعة لا تنافي التكليف ، وأنّ الدواعي متردّدة معها ؛ حيث لا يظنّ ظانّ أنّ تكليف من يعاد باطل. وذكرنا أن التكليف كما يصح مع ظهور المعجزات الباهرة والآيات القاهرة ، فكذلك مع الرجعة ؛ لأنه ليس في الجميع ملجئ إلى فعل الواجب والامتناع من فعل القبيح.
فأما من تأوّل الرجعة من أصحابنا ، على أن معناها رجوع الدولة والأمر والنهي ، من دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات ، فإن قوما من الشيعة لما عجزوا عن نصرة الرّجعة وبيان جوازها وأنها تنافي التكليف ، عوّلوا على هذا التأويل للأخبار الواردة بالرجعة. وهذا منهم غير صحيح ؛ لأنّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة ، فيطرق التأويلات عليها ، فكيف يثبت ما هو مقطوع على صحّته بأخبار الآحاد التي لا توجب العلم؟! وإنما المعوّل في إثبات الرجعة على إجماع الإمامية (١).
__________________
(١) المسائل الرازيّة (المسألة الثامنة) رسائل الشريف الرضي المجموعة الأولى ، ص ١٢٥ ـ ١٢٦ و