الوجه الثاني : أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربيّة ، من غير استظهار بالسماع والنقل ، فيما يتعلق بغرائب القرآن ، وما فيه من الألفاظ المبهمة والمبدلة ، وما فيه من الاختصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير. فمن لم يحكم ظاهر التفسير ، وبادر إلى استنباط المعاني بمجرّد فهم العربية كثر غلطه ، ودخل في زمرة من فسّر القرآن بالرأي. والنقل والسماع لا بدّ له منهما في ظاهر التفسير ، أوّلا ليتّقي بهما مواضع الغلط ، ثم بعد ذلك يتّسع الفهم والاستنباط. والغرائب التي لا تفهم إلّا بالسماع كثيرة ، ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر ، ألا ترى أن قوله تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها)(١) معناه : آية مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها. فالناظر إلى الظاهر يظنّ أن الناقة كانت مبصرة ، فهذا في الحذف والإضمار ، وأمثاله في القرآن كثير (٢).
وهذا الذي ذكره القرطبي وشرحه شرحا وافيا ، هو الصحيح في معنى الحديث ، وأكثر العلماء عليه ، بل وفي لحن الروايات الواردة عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ما يؤيد إرادة هذا المعنى ، نظرا للإضافة في «رأيه» ، أي رأيه الخاص ، يحاول توجيهه بما يمكن من ظواهر القرآن حتى ولو استلزم تحريفا في كلامه تعالى. فهذا لا يهمّه القرآن ، إنما يهمّه تبرير موقفه الخاص باتخاذ هذا الرأي الذي يحاول إثباته بأيّة وسيلة ممكنة. فهذا في الأكثر مفتر على الله ، مجادل في آيات الله.
فقد روى أبو جعفر محمد بن عليّ بن بابويه الصدوق بإسناده إلى سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لعن الله
__________________
(١) الإسراء / ٥٩.
(٢) راجع : تفسير القرطبي ، ج ١ ، ص ٣٢ ـ ٣٤.