وإنّما النهي يحمل على أحد وجهين :
أحدهما : أن يكون له في الشيء رأي ، وإليه ميل من طبعه وهواه ، فيتأوّل القرآن على وفق رأيه وهواه ، ليحتجّ على تصحيح غرضه. ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى ؛ لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى.
وهذا النوع يكون تارة مع العلم ، كالذي يحتجّ ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته ، وهو يعلم أن ليس المراد بالآية ذلك ، ولكن مقصوده أن يلبّس على خصمه.
وتارة يكون مع الجهل ؛ وذلك إذا كانت الآية محتملة ، فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه ، ويرجّح ذلك الجانب برأيه وهواه ، فيكون قد فسّر برأيه ، أي رأيه حمله على ذلك التفسير ، ولو لا رأيه لما كان يترجّح عنده ذلك الوجه.
وتارة يكون له غرض صحيح ، فيطلب له دليلا من القرآن ، ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به ، كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي ، فيقول : قال الله تعالى : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى)(١) ويشير إلى قلبه ، ويومئ إلى أنه المراد بفرعون. وهذا الجنس قد يستعمله بعض الوعّاظ في المقاصد الصحيحة ، تحسينا للكلام وترغيبا للمستمع ، وهو ممنوع لأنه قياس في اللّغة ، وذلك غير جائز. وقد تستعمله الباطنية (٢) في المقاصد الفاسدة لتغرير الناس ودعوتهم إلى مذاهبهم الباطلة ، فينزّلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم ، على أمور يعلمون قطعا أنها غير مرادة.
فهذه الفنون أحد وجهي المنع من التفسير بالرأي.
__________________
(١) سورة طه / ٢٤.
(٢) من أهل التصوّف.