الأثر والنقل فيه.
وقال ابن عطيّة : «ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله عزوجل ، فيتسوّر عليه برأيه (١) دون نظر فيما قال العلماء ، واقتضته قوانين العلم كالنحو والأصول. وليس يدخل في هذا الحديث ، أن يفسّر اللغويّون لغته ، والنحويّون نحوه ، والفقهاء معانيه ، ويقول كل واحد باجتهاده المبنيّ على قوانين علم ونظر ، فإنّ القائل على هذه الصّفة ليس قائلا بمجرّد رأيه».
قال القرطبي ـ تعقيبا على هذا الكلام ـ : هذا صحيح ، وهو الذي اختاره غير واحد من العلماء ، فإنّ من قال في القرآن بما سنح في وهمه وخطر على باله من غير استدلال عليه بالأصول فهو مخطئ ، وإنّ من استنبط معناه بحمله على الأصول المحكمة المتّفق على معناها ، فهو ممدوح.
وقال بعض العلماء : إنّ التفسير موقوف على السماع ، للأمر بردّه إلى الله والرسول (٢).
قال : وهذا فاسد ؛ لأنّ النهي عن تفسير القرآن لا يخلو : إما أن يكون المراد به الاقتصار على النقل والسماع وترك الاستنباط ، أو المراد به أمرا آخر. وباطل أن يكون المراد به أن لا يتكلّم أحد في القرآن إلّا بما سمعه ، فإنّ الصحابة قد قرءوا القرآن واختلفوا في تفسيره على وجوه ، وليس كل ما قالوه سمعوه من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد دعا لابن عباس : «اللهمّ فقّهه في الدين وعلّمه التأويل». فإن كان التأويل مسموعا كالتنزيل ، فما فائدة تخصيصه بذلك ، وهذا بيّن لا إشكال فيه.
__________________
(١) تسوّر الحائط : هجم عليه هجوم اللّص وتسلّقه. ويعني به هنا : التهجم والإقدام بغير بصيرة ولا وعي.
(٢) في الآية رقم ٥٩ من سورة النساء.