حجيّة الظواهر ، فإنّها حجّة بلا كلام ، سواء في القرآن أم في غيره ، سواء بسواء.
وهذا غير المبحوث عنه هنا ، حيث خفاء المراد وراء ستار اللفظ ، المعبّر عنه بالبطن المختفي خلف الظهر. فالظهر لعامة الناس حيث متفاهمهم ، ويكون حجّة لهم ومستندا يستندون إليه في التكليف ، أمّا البطن فللخاصّة ممن يتعمقون في خفايا الأسرار ، ويستخرجون الخبايا من وراء الستار.
ومن ثم كان المطلوب من الأمّة (العلماء والأئمّة) التفكّر في الآيات والتدبّر فيها ، وتعقّلها ومعرفتها حقّ المعرفة.
قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(١).
قال : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)(٢).
وقال : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٣).
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «له ظهر وبطن ، فظاهره حكمة وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق ، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه ، فليجل جال بصره ، وليبلغ الصفة نظره ، فإنّ التفكّر حياة قلب البصير» (٤).
قال العلامة الفيلسوف ابن رشد الأندلسي : «وقد سلك الشرع في تعاليمه وبرامجه الناجحة مسلكا ينتفع به الجمهور ، ويخضع له العلماء. ومن ثم جاء بتعابير يفهمها كل من الصنفين : الجمهور يأخذون بظاهر المثال ، فيتصورون عن
__________________
(١) النحل / ٤٤.
(٢) محمد / ٢٤.
(٣) ص / ٢٩.
(٤) مقدمة تفسير الميزان ، ج ١ ، ص ١٠. والكافي الشريف ، ج ٢ ، ص ٥٩٩.