وأمّا قوله تعالى ـ بعد ذلك ـ : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)(١) فيعلوه غبار إبهام ؛ إذ يبدو أنه تهديد بأولئك الحائدين عن جادّة الحق ، أن سوف يجازون بحيلولة بينهم وبين أنفسهم.
والسؤال : كيف هذه الحيلولة ، وما وجه كونها عقوبة متقابلة مع نبذ أحكام الشريعة؟
وللإجابة على هذا السؤال وقع اختلاف عنيف بين أهل الجبر وأصحاب القول بالاختيار ، كما تناوشها كل من الأشاعرة وأهل الاعتزال ، كل يجرّ النار إلى قرصه ، كما اختلف أرباب التفسير على وجوه أوردناها في الجزء الثالث من التمهيد ، عند الكلام عن المتشابهات ، ضمن آيات الهداية والضلال برقم (٨٠) والذي رجّحناه في تأويل الآية ، هو معنى غير ما ذكره جلّ المفسرين ، استفدناه من مواضع من القرآن نفسه : إنّ هذه الحيلولة كناية عن إماتة القلب ، فلا يعي شيئا بعد فقد الحياة.
لا تعجبنّ الجهول حلّته |
|
فذاك ميت وثوبه الكفن |
الإسلام دعوة إلى الحياة ، وفي رفضها رفض للحياة ، تلك الحياة المنبعثة عن إدراكات نبيلة ، والملهمة للإنسان شعورا فيّاضا يسعد به في الحياة ، ويحظى بكرامته الإنسانية العليا.
أما إذا عاكس فطرته وأطاح بحظّه ، فإنه سوف يشقى في الحياة ، ولم يزل يسعى في ظلمات غيّه وجهله (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى
__________________
(١) الأنفال / ٢٤.