على ملك الروم فبعث إليه يهدده بأن ينقش على دنانيره شتم النبي (صلىاللهعليهوآله) فعظم هذا الأمر على عبد الملك فجمع إليه كبار المسلمين واستشارهم ، فأشار عليه روح بن زنباع (١) فقال : عليك بالباقر (عليهالسلام) من أهل بيت النبي (صلىاللهعليهوآله) ، فقال : صدقت ، ولكنه ارتج الرأي فيه ، وكتب إلى عامله بالمدينة أن أشخص إلي محمد بن علي بن الحسين مكرما ، ومتعه بمائة ألف درهم لجهازه وبثلاثمائة ألف لنفقته وأرح عليه في جهازه وجهاز من يخرج معه من أصحابه وحبس عبد الملك رسول ملك الروم إلى موافاة محمد بن علي الباقر (عليهالسلام) ، فلما وافاه أخبره الخبر ، فقال له محمد الباقر (عليهالسلام) : لا يعظم عليك ، فإنه ليس بشيء من جهتين : إحداهما : أن الله (عزوجل) لم يكن ليطلق ما تهدد به صاحب الروم في رسول الله (صلىاللهعليهوآله) والثاني : وجود الحيلة فيه. فقال عبد الملك : وما هي؟ قال الإمام أبو جعفر الباقر (عليهالسلام) : ادع هذه الساعة صناعا فيضربون بين يديك سككا للدراهم والدنانير ، وتجعل النقش عليها سورة التوحيد وذكر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، أحدهما : في وجه الدرهم أو الدينار والآخر في الوجه الثاني ، وتجعل في مدار الدرهم والدينار ذكر البلد الذي يضرب فيه ، والسنة التي تضرب فيها تلك الدراهم والدنانير. وأخذ الإمام الباقر (عليهالسلام) يحدد له أوزانها كل على حدة ، ففعل ذلك عبد الملك من فوره وبعث نقوده إلى جميع البلدان الإسلامية ، وتقدم إلى الناس في التعامل بها ـ بإشارة من الإمام الباقر (عليهالسلام) أيضا ـ وهدد بقتل من يتعامل بغير هذه السكة من الدراهم والدنانير وأن تبطل تلك وترد إلى مواضع العمل حتى تعاد إلى السكة الإسلامية ، وكان ذلك كله سنة (٧٦ ه) (٢).
__________________
(١) هو روح بن زنباع بن سلامة الجذامي ، أبو زرعة ، كان أحد ولاة فلسطين أيام يزيد بن معاوية ، كان سيد اليمانية في الشام وقائدها وخطيبها ، قيل له صحبة وكان عبد الملك بن مروان يقول فيه : جمع روح طاعة أهل الشام ، ودهاء أهل العراق ، وفقه أهل الحجاز. انظر مصادر ترجمته : الإصابة العسقلاني ، ٢ / ٢١٦+ البيان والتبيين ، الجاحظ ، ١ / ٣٤٦+ تاريخ دمشق ، ابن عساكر ، ٥ / ٣٣٧+ البداية والنهاية ، ابن كثير الدمشقي ، ٩ / ٥٤.
(٢) المحاسن والمساوئ ، إبراهيم بن محمد البيهقي ، ٢ / ٢٣٣ ـ ٢٣٦+ حياة الحيوان الدميري ، ٢ / ٥٥+ شذور العقود ، المقريزي ، ٧.