٥ ـ ويقوّي ما رجحناه ما تقدم من أن جملة من العلماء قد قالوا به ، القدامى منهم والمحدثين (١).
غير أن هناك تساؤلا قد يثار هو : أن الرواية التي رجّحناها والتي بينت بأن الإمام الباقر (عليهالسلام) قد شارك في تحرير النقد العربي تنص على أن تاريخ ذلك التحرير يعود لسنة (٧٦ ه) والباقر (عليهالسلام) يوم ذاك كان في العشرين من عمره على ما أثبتناه في ولادته ، وأن والده الإمام زين العابدين لا يزال حيا وعاش إلى سنة (٩٥ ه) وذلك بعد وفاة عبد الملك بن مروان بتسع سنين ، فعلى هذا المبنى يكون من غير الجائز أن يرسل عبد الملك في طلب الإمام الباقر (عليهالسلام) ويترك أباه الذي كان معروفا في الأوساط العلمية آنذاك.
نقول : ما المانع من ذلك إذ ليس ببعيد أن يكون الإمام الباقر (عليهالسلام) معروفا في الأوساط العلمية كأبيه أيضا ، ولعلم عبد الملك بتعذر سفر والده زين العابدين من جهة أخرى ، ولأن المؤهلات العلمية لا تقاس عادة بالسنين خاصة بالنسبة لتلك الشريحة الطاهرة من آل بيت الرسول (صلىاللهعليهوآله) كما يبدو ذلك من خلال تتبع تاريخهم ومآثرهم الخالدة.
وعلى أية حال ، فالإمام الباقر (عليهالسلام) كان من أعلم أهل زمانه وسيد الهاشميين وأفضلهم في عصره ، ولم يكن ليحيا حياة العزلة أو ينضم في زاوية الخمول بل كانت له شهرة ، ولمدرسته العلمية أثر في توجيه الفكر تخرج منها جملة من أعلام هذه الأمة ، فكانوا بحق مفخرة الزمن ... فتلك ومضة سريعة ، أردنا من خلالها أن نلمح ولو بشكل خاطف عن بعض ما جادت به قريحة هذا الإمام الجليل من علوم ومعارف ، لأن الوقوف على الكل يتطلب توسعا أيما توسع ، لم يبخل بها على تلامذته ورواته بل على المسلمين جميعا. فكان بحق خير عالم ، وخير داعية ، لم يأل جهدا كلما سنحت له الفرصة وأمكن له الظرف في سبيل نشر تعاليم الإسلام وبسط علومه ، فسلام عليه يوم ولد ، ويوم مات ، ويوم يبعث حيا.
__________________
(١) تاريخ التمدن الإسلامي ، جرجي زيدان ، ١ / ١١١ ـ ١١٢+ أعيان الشيعة ، محسن الأمين ، ق ٢ / ٤ / ١٣ ـ ١٤+ سيرة الأئمة ، هاشم معروف الحسني ، ٢٢١ ـ ٢٢٣+ الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ، أسد حيدر ، ٢ / ٤٥٨ ـ ٤٥٩+ حياة الإمام الباقر ، باقر شريف القرشي ، ٢ / ٣٦ ـ ٣٩ وانظر مصادره.