وتفسير لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعلمه إلا الله (١). ولكل من هذه الأوجه مصاديق كثيرة في آيات القرآن الكريم لذا كان من البديهي أن لا يتناول البيان المأمور به النبي (صلىاللهعليهوآله) هذه الأوجه الأربعة ، فمثلا في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ)(٢) فمعنى الآية وأمثالها كثير مما لا يلتبس فهمه على أحد من الصحابة ، بل لا يعذر أحد بجهالته لأنه معلوم بالضرورة ، وكذلك الحال مع كثير من الأوامر والنواهي الواردة في القرآن الكريم كقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(٣) أو كقوله تعالى : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)(٤) وغيرها ، فمثل هذه الآيات مفهومة للجميع مما يخرجها عن البيان المراد من وظيفة رسول (صلىاللهعليهوآله).
مناقشة الدليل الثاني :
أما ما روي عن الصحابة من أنهم تعلموا القرآن والعمل به جميعا من النبي (صلىاللهعليهوآله) فيردّه اختلاف مناهجهم في التفسير أيضا ، بل اختلافهم في تفسير النص الواحد (٥). وليس كلهم ممن كان يسأل النبي (صلىاللهعليهوآله) ويستفهمه عن معاني القرآن الكريم ، روي أن الإمام علي بن أبي طالب قال : وليس كل أصحاب رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يسأله عن الشيء فيفهم ، وكان منهم من لا يسأله ولا يستفهمه حتى أنهم كانوا ليحبون أن يجيء الاعرابي والطاري فيسأل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حتى يسمعوا (٦).
مناقشة الدليل الثالث :
يكفي في ردّه أن عدم مساءلة النبي (صلىاللهعليهوآله) لا تعني تهاون الصحابة رضي الله عنهم في حق القرآن الكريم ، فمعاصرتهم لنزول الوحي وقربهم من الرسول
__________________
(١) جامع البيان ، الطبري ، ١ / ٣٤+ مقدمة في أصول التفسير ، ابن تيمية ، ١١٥.
(٢) الفيل / ١ ـ ٢.
(٣) البقرة / ١٨٣.
(٤) النساء / ١١.
(٥) انظر مثلا : تفسير جامع البيان للطبري ستجد أنه أورد اختلافات كثيرة عن الصحابة في تفسير النص وهو منهج التزم به في تفسيره ، وانظر كذلك غيره من التفاسير.
(٦) أصول الكافي ، محمد بن يعقوب الكليني ، ١ / ٦٤.