الرأي الراجح :
والراجح في المسألة هو أنه لو تصفحنا ما كتب وما موجود في السنة النبوية المشرفة مستعرضين ما جاء من تفسير القرآن الكريم عن النبي (صلىاللهعليهوآله) لوجدنا الكثير من ذلك ، ولأيقنّا أن الذي فسره الرسول الكريم (صلىاللهعليهوآله) وبينه ليس بنادر كما يظنه البعض ، وفي نفس الوقت لا نستطيع أن نقول بأنه قد فسر كل القرآن الكريم ، بل أن الذي لم يرد له تفسير قد يكون هو الأكثر ، أما أنه قد فسر جملة كبيرة من الآيات فهذه كتب الصحاح والسنن والمسانيد تشهد بذلك ، فهي مشحونة بأحاديث مرفوعة الى النبي (صلىاللهعليهوآله) أو ما في حكمها زيادة عما ورد من أحاديث كثيرة تبين ما ورد من عموم في آية أو أجمال في أخرى وإن لم تقترن مباشرة بتفسير الآيات.
فمثلا أورد البخاري في صحيحه أحاديث تفسيرية كثيرة قال ابن حجر بعد استقصائها : اشتمل كتاب التفسير على خمسمائة حديث وثمانية وأربعين حديثا والبقية معلقة وفي معناها المكرر من ذلك فيه وفيما مضى اربعمائة وثمانية وأربعون حديثا (١) ، وأورد السيوطي كذلك في آخر كتابه جملة من الأحاديث التفسيرية المرفوعة (٢) ، وقد بين ضعف بعضها.
أما لما ذا لم يفسر القرآن كله ، وترك بعضه بدون بيان ، لأنه أمر طبيعي آنذاك لفهم العرب للغة القرآن وأسلوبه من جهة وإن سؤال الصحابة رضوان الله عليهم كان يتعلق فيما قد خفي عليهم من الأسباب التي ذكرناها من جهة أخرى وأما ما سوى ذلك فهو كتاب بلسان عربي مبين.
فهناك مئات من الآيات المتعلقة بقصص الأمم الماضية لم تفسر لكونها واضحة المعنى ، بينة المقصد ، وبما أن تلك القصص لما كانت غالبا لا تتعلق بالحلال والحرام فلم يكن الصحابة ليشغلوا أنفسهم بها بل كانوا يأخذون موضع العبرة منها فقط ، ولا يدققون في كل ما ورد فيها ، بل كانت غايتهم موجهة لمعرفة
__________________
(١) فتح الباري ، ابن حجر العسقلاني ، ١ / ٦٠٤.
(٢) الاتقان ، السيوطي ، ٢ / ١٩١ ـ ٢٠٥.