فقال (صلىاللهعليهوآله) : ولم تخافون ذلك؟ قالوا : إذا كنا عندك فذكرتنا ورغبتنا وجلنا ونسينا الدنيا وزهدنا حتى كنا نعاين الآخرة والجنة والنار ونحن عندك ، فاذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الأولاد ورأينا العيال والأهل يكاد أن نحول على الحالة التي كنا عليها عندك وحتى كأننا لم نكن على شيء ، أفنخاف علينا أن يكون ذلك نفاقا؟ فقال لهم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : كلا ، إن هذه خطوات الشيطان فيرغبكم بالدنيا ، والله لو تدومون على الحالة التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة ومشيتم على الماء ، ولو لا أنكم تذنبون فتستغفرون الله تعالى لخلق خلقا حتى يذنبوا فيستغفروا الله تعالى فيغفر لهم ، إن المؤمن مفتن تواب ، أما تسمعوا لقول الله (عزوجل) : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) وقوله : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ)(١)(٢).
ومعنى قوله (صلىاللهعليهوآله) : لو لا أنكم تذنبون فتستغفرون الله تعالى لخلق خلقا حتى يذنبوا فيستغفروا الله تعالى فيغفر لهم. إشارة إلى قاعدة أثبتها الفلاسفة الالهيون والعرفاء وهي أن جميع ما في هذا العالم مظهر من مظاهر اسمائه تعالى المقدسة ، فلو لم يتحقق العفو والغفران والتوبة بالنسبة إليه (عزوجل) ، فمن لوازم هذه الأسماء المقدسة تحقق الذنب مع أنه بنفسه يوجب استكانة المذنب عند ربه وطلبه العفو والغفران منه (٣).
٥ ـ روى العياشي بسنده عن جابر الجعفي في تفسير قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)(٤) ، عن الإمام أبي جعفر الباقر قال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : إن الملك ينزل الصحيفة أول النهار وأول الليل يكتب فيها عمل ابن آدم ، فاعملوا في أولها خيرا وفي آخرها خيرا فان الله يغفر لكم ما بين ذلك إن شاء الله ، فان الله يقول : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)(٥).
__________________
(١) هود / ٩٠.
(٢) أصول الكافي ، الكليني ، ٤ / ١٣٠+ تفسير نور الثقلين ، العروسي الحويزي ، ١ / ١٧٩ ـ ١٨٠+ مواهب الرحمن في تفسير القرآن ، السيد عبد الأعلى السبزواري ، ٣ / ٣٩١ ـ ٣٩٢.
(٣) ظ : مواهب الرحمن ، عبد الأعلى السبزواري ، ٣ / ٣٩٣.
(٤) البقرة / ١٥٢.
(٥) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٦٧+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ١ / ٢٣٤.