ونافذ أمري واشترطا لي البداء فيما تكتبان فيقولان ، يا رب ما نكتب؟ فيوحي الله (عزوجل) إليهما : أن ارفعا رءوسكما إلى رأس أمه ، فيرفعان رأسيهما فإذا اللوح يقرع جبهة أمه فينظران فيه فيجدان في اللوح صورته وزينته وأجله وميثاقه سعيدا أو شقيا وجميع شأنه ، فيملي أحدهما على صاحبه ، فيكتبان جميع ما في اللوح ويشترطان البداء فيما يكتبان ، ثم يختمان الكتاب ويجعلانه بين عينيه ثم يقيمانه قائما في بطن أمه ، قال : فربما عتا فانقلب ، ولا يكون ذلك إلا في كل عات أو ما رد وإذا بلغ أوان خروج الولد تاما أو غير تام أوحى الله للرحم أن افتحي بابك حتى يخرج خلقي إلى أرضي وينفذ فيه أمري فقد بلغ أوان خروجه قال : فتفتح الرحم باب الولد فينقلب فتصير رجلاه فوق رأسه ورأسه في أسفل البطن ليسهل الله على المرأة وعلى الولد الخروج ، فيبعث الله (عزوجل) ملكا يقال له زاجر فيزجره زجرة فيفزع منها الولد فإذا احتبس زجره الملك زجرة أخرى فيفزع منها فيسقط الولد إلى الأرض باكيا فزعا من الزجرة (١).
في هذا الحديث يبين الإمام الباقر جملة وافرة من أسرار التكوين ببيان واضح جلي معتمدا على قوة استنباطه وغوصه على المعاني القرآنية من خلال الآيات ، والأمور التي ذكر فيها أسرارا معنوية وأسرارا تكوينية حقيقية لا تنافي الأسباب الطبيعية المعروفة ، إذ يمكن أن يكون في شيء واحد أسباب جلية واضحة ، وأسباب خفية معنوية لا يحيط بها إلا الله تعالى ، وهما في الواقع يرجعان إلى منشأ واحد ، وكل واحد منهما يكون من المقتضي لتحصيل المعلول ، أو يكون كل واحد منهما علة تامة مترتبة كل سابقة علة للاحقتها ، فيصير كل واحد علة تامة من جهة ومقتضيا من جهة أخرى.
وأما قوله (عليهالسلام) : النطفة التي مما أخذ الله عليها الميثاق ، فهو مطابق تمام الانطباق للقانون العقلي وهو انبعاث المعلول عن علته ، ولا ريب في أن جميع الموجودات خصوصا النطفة التي لا يريد أن يجعلها بشرا سويا أتم خلق الله وأهمه ، وارتباطه تكوينا مع الله ثابت ويصح أن يعبر عن هذا الارتباط بالميثاق ،
__________________
(١) الشافي في أصول الكافي ، الشيخ عبد الحسين المظفر ، ١ / ٣٤.