نجد القرآن الكريم في مباحثه التاريخية يتوخى المسائل التربوية والتعليمية ويفتش عن هذه الجوانب في طوايا التاريخ وصفحاته وهو الوجه الغالب عليه ويستخلص منها مضامين إيمانية وعبادية فيتخذها جسرا للصلة بين الهدف والمتلقي.
وعلى هذا يأخذ القرآن الكريم لب التاريخ ويحافظ عليه ويرمي بقشوره لأن مطلوبه هو الجوهر ، فهو على خلاف المؤرخين ومنهجهم في سرد الوقائع ، إذ يبعث في المستمع والقارئ حس التحقيق والتدبر والتفكر ، ودراسة النقاط التاريخية بأساليب مختلفة وتعابير متباينة ليودع فيهم الوعي واليقظة (١).
فالقصة في القرآن الكريم أخذت حيزا كبيرا في البحوث القرآنية ، و «يشكل القصص جزء كبيرا من القرآن الكريم ، وليس المراد من القصص في القرآن الإمتاع مجردا ، ولكن لإلقاء الدروس النافعة كذلك ، التي تكفل لمن وعاها وعمل بمقتضاها الاهتداء إلى صراط العزيز الحميد» (٢) ، فنستطيع أن نستنتج من هذا القول الغرض الكلي للقصص القرآني الذي هو الغرض الديني البحت (٣) ، وهو هداية البشرية لما فيه صلاحها وسعادتها ، وتندرج تحت هذا الغرض الكلي أغراض جزئية أخرى نلخص بعضا منها بما يأتي :
١ ـ أن القصة القرآنية سيقت لغرض العبرة والاتعاظ ، حيث يتعرف الناس على أحوال الأمم السالفة وما حل بها وما آلت إليه ، حتى يعتبروا ويتعظ أولوا الألباب منهم (٤) ، وتصديق ذلك في قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(٥).
٢ ـ لتثبيت فؤاد الرسول الكريم (صلىاللهعليهوآله) وترسيخ صلابته في الدعوة إلى وحدانية الله تبارك وتعالى حيث يقف على أخبار إخوانه من الرسل ، وعلاقتهم
__________________
(١) ظ : محمد والقرآن ، ناصر الدين الشيرازي ، ١٧١.
(٢) الوحدة الموضوعية في سورة يوسف ، حسن باجودة ، ٥١٨.
(٣) التصوير الفني في القرآن ، سيد قطب ، ١١٧.
(٤) من روائع القرآن ، محمد سعيد رمضان البوطي ، ١٧٧+ دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني ، د. أحمد جمال العمري ، ١٧٦.
(٥) يوسف / ١١١.