فَارْتَدَّ بَصِيراً)(١) وقال لهم : ما فعل بنيامين؟ قالوا : أخلفناه عند أخيه صالحا قال : فحمد الله يعقوب عند ذلك وسجد لربه سجدة الشكر ورجع إليه بصره وتقوم له ظهره ، وقال لولده : تحملوا إلى يوسف في يومكم هذا بأجمعكم ، فساروا إلى يوسف ومعهم يعقوب وخالة يوسف فأحثوا السير فرحا وسرورا.
ويختتم الإمام الباقر فصول هذه القصة القرآنية بالمحور الأخير منها قائلا : فساروا تسعة أيام إلى مصر ، فلما دخلوا على يوسف في دار الملك اعتنق أباه فقبله فبكى ورفعه ورفع خالته على سرير الملك ، ثم دخل منزله فأدهن واكتحل ولبس ثياب العز والملك ثم خرج إليهم ، فلما رأوه سجدوا جميعا له إعظاما له وشكرا لله ، فعند ذلك قال : (يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ)(٢) ، قال الإمام الباقر : ولم يكن يوسف في تلك العشرين سنة يدهن ولا يكتحل ولا يتطيب ولا يضحك ولا يمس النساء حتى جمع الله ليعقوب شمله ، وجمع بينه وبين يعقوب وأخوته (٣).
وبهذا يختتم الإمام الباقر فصول هذه القصة القرآنية الرائعة التي دس فيها أهل الكتاب الكثير من أخبارهم التي تشين بمكانة الأنبياء وتنقص من قدر نبوتهم ، فأراد الإمام الباقر أن يلفت نظر الناس إلى أن كلما قيل في قصة يوسف وأخوته كان من دس الإسرائيليين وكذلك فعل الإمام مع جميع القصص القرآني أو ما تناولته من قصص الأنبياء والأولين إذا ما علمنا أننا بعد أن استقصينا جميع الروايات التفسيرية وجدنا أنه تناول تقريبا قصص جميع الأنبياء والأقوام الوارد ذكرهم في القرآن الكريم ، رائده في ذلك كله القرآن نفسه فهو في بعض القصص يستنطق النص القرآني ، مستقرئا كل الآيات التي في السور المتفرقة جامعا لها
__________________
(١) يوسف / ٩٦.
(٢) يوسف / ١٠٠.
(٣) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ١٨١ ـ ١٨٣ ، ١٨٥ ـ ١٨٩ ، ١٩٠ ـ ١٩٣ ، ١٩٦ ـ ١٩٧+ تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٢٥٧ ، ٢٧١+ بحار الأنوار ، المجلسي ، ٢ / ١٩٦ ، ٥ / ١٩٣. وقد وردت رواية للإمام الباقر في حزن يعقوب في التفسير الكبير ، الرازي ، ١٨ ، ١٩٨+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ٥ / ٢٦٤ ـ ٢٦٦.