وهكذا فإن كل نبي كان منطلق دعوته من وجوب الاعتقاد بوجود الله تعالى ووحدانيته ، ولما كان التوحيد أساس العلوم الدينية ورأس المعارف اليقينية وجب على كل مكلف معرفة مسائله ورعاية دلائله.
وبسبب التوحيد كان الخلاف والصراع مع تيارات الملاحدة والمعطلة واليهود والنصارى وكل الفرق والتيارات الإسلامية التي قالت بالتشبيه أو الاتصال أو الحلول ، والقائلون بالتوحيد عند ما تناولوا هذا الأصل في مباحثهم تتبعوا المسائل التي تتصل به كافة ، ومن ثم جاءت أبحاثهم ازاءه شاملة ومحيطة بكل جوانبه (١).
وكان من أولى مباحثهم في هذا المجال معرفة الله تعالى لأنها أول الدين كما يقول الإمام علي بن أبي طالب (٢) ، وهي المرتبة الأولى من مراتب معرفة التوحيد ، إلا أنهم قد اختلفوا فيها على آراء ، فذهب كثير من الإمامية ومعتزلة بغداد أنها اكتساب ، بينما خالف فيه معتزلة البصرة والمجبرة والحشوية من أصحاب الحديث (٣). وعلى الرغم من اتفاق متكلمي المسلمين على وجوب معرفة الله تعالى إلا أنهم قد اختلفوا في مدرك هذا الوجوب ، فالإمامية والمعتزلة والزيدية قالوا : أنه العقل (٤) ، أي من خلال العلم الحاصل بسبب النظر والاستدلال ، بينما قال الأشعرية : إنه السمع (٥).
وبعد ذلك ساقوا أدلة على وجود الله سبحانه وتعالى ، فالذين يقولون بمدرك الوجوب العقلي يرون أن العقل قد دل على أن أوضح سبل المعرفة وأقرب أساليب الدعوة إلى منطق العقل في إقامة الدليل على وجود الله هو القرآن الكريم ـ كمعجز وبرهان ـ ووافقهم في ذلك الأشعرية (٦) ، وبقية أهل السنة (٧).
__________________
(١) ظ : المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية ، د. محمد عمارة / ٤٧.
(٢) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ، ١ / ٧٢.
(٣) أوائل المقالات ، الشيخ المفيد ، ٦٨.
(٤) ظ : الشافي ، المرتضى ، ٦١+ الاقتصاد ، الشيخ الطوسي ، ٤٢+ شرح الأصول الخمسة ، القاضي عبد الجبار ، ٨٨.
(٥) احقاق الحق ، العلامة الحلي ، ١ / ٣٨ ، ٤٠.
(٦) اللمع ، أبو الحسن الأشعري ، ١٧ ـ ١٩.
(٧) ظ : تفسير سورة الاخلاص ، ابن تيمية ، ٢٢ ـ ٢٣.