ثم دليل الجوهر الفرد (١) ، وبعده دليل الحدوث الذي اعتمده معظم المتكلمين وخاصة الاشعرية (٢) ، ودليل آخر يسمى ببرهان التمانع وهو مزج بين البرهان العقلي القاطع على وجوده من خلال دليل الحدوث وبين ما ورد في القرآن الكريم من آيات تدل على وجوده تبارك وتعالى (٣).
إن التمازج غير القابل للفصل بين الدليل العقلي البرهاني وبين ما ورد في القرآن الكريم حافزا له وموجها لمساراته ومنبها لقدراته في الالتفات إلى المظاهر الكونية المتسقة ، جعل قضية الدليل النقلي صورة متطابقة تماما مع منتجات الدليل العقلي ، لكن الذي وقع فيه الخلاف ليس مفهوم التوحيد على اجماله إنما تفصيلات الصفات في أقسامها واختلافهم في كونها خارج الذات (٤) ، أو هي عين الذات (٥).
إن هذه الجزئيات بعد أن تخطت الإجمال لم تستند فقط إلى الدليل العقلي لأنها مجتمعة بعد أن آمنت بأن القرآن الكريم موحى به من عند الله تعالى ظلت تبحث في أسانيد آرائها في ثنايا النص القرآني مستفيدة من معنى أولي مباشر أو معنى ثانوي غير مباشر ، كما هو حال الخلاف في الرؤية المستفادة مما يوهم التعارض في قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)(٦) وبين قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٧). إن تعدد المناهج في الجمع بين ما يوهم التعارض هو السبب في اختلاف علماء الأمة الإسلامية في المنتج الذي ساهم في إغناء الفكر العربي الإسلامي بتقديم رؤى متعددة للقضية الواحدة بعد أن جعل هذا المنتج العقل العربي الإسلامي عقلا منظما ذا منهجية قائمة على أسس متينة
__________________
(١) أصول الدين ، البغدادي ، ٣٦+ الفصل ، ابن حزم ، ٥ / ٩٢.
(٢) ظ : التمهيد ، الباقلاني ، ٤١ ـ ٤٤+ الارشاد ، الجويني ، ١٧ وما بعدها+ كشف المراد ، العلامة الحلي ، ١٧٢.
(٣) ظ : استحسان الخوض في علم الكلام ، الاشعري ، ١٨٩+ التمهيد ، الباقلاني ، ٢٥+ شرح العقائد النسفية ، التفتازاني ، ٧٩+ كنز الفوائد ، الكراجكي ، ١٨٢.
(٤) ظ : نهاية الاقدام ، الشهرستاني ، ١٨١.
(٥) الاقتصاد ، الشيخ الطوسي ، ٧٨+ كشف المراد ، العلامة الحلي ، ١٨١ ـ ١٨٢.
(٦) القيامة / ٢٣.
(٧) الشورى / ١١.