في التفكير والانتاج ، وما قدمناه يعد نموذجا لما سنعرضه من آراء وجهود للإمام الباقر في مثل هذه المسائل من قضايا التوحيد في إطار الروايات التفسيرية الواردة عنه والتي سيتبين أثرها لاحقا على علماء الأمة الإسلامية ، والتي سنختار نماذج منها للاستدلال على تلك الآثار والاسهامات :
أولا : في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(١) فقد روى محمد بن يعقوب بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال : كاتبته ـ يقصد الإمام الباقر ـ : جعلني فداك ، نعبد الرحيم ، الواحد ، الأحد ، الصمد؟ قال أبو جعفر الباقر : من عبد الاسم دون المسمى بالأسماء فقد أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئا ، إن الأسماء صفات وصف الله بها نفسه (٢).
قال الزمخشري (ت : ٥٣٨ ه) : كان المشركون معتقدين ربوبيتين : ربوبية الله ، وربوبية آلهتهم ، فإن خصوا بالخطاب فالمراد به اسم يشترك فيه رب السموات والأرض والآلهة التي كانوا يسمونها أربابا (٣).
وقال ابن كثير الدمشقي : وشرع تبارك وتعالى في بيان وحدانية الوهيته بأنه تعالى هو المنعم على عبيده باخراجهم من العدم إلى الوجود واسباغه عليهم النعم الظاهرة والباطنة ... ثم قال : فبهذا يستحق أن يعبده وحده لا شريك به غيره (٤)
وقد اختلف المفسرون في المعني في (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ، فمنهم من قال : المشركون ، ومن قال : كافة الناس ، ومن قال : المنافقون والمذبذبون (٥). غير أن تفسيرهم كان في سياق واحد لهذه الآية الكريمة جاعلين أهم صفة من صفاته هي الخلق والابداع.
__________________
(١) البقرة / ٢١.
(٢) أصول الكافي ، الكليني ، ١ / ٩٦+ تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٢٢.
(٣) الكشاف ، الزمخشري ، ١ / ٩٠.
(٤) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ١ / ٩٩ ـ ١٠٠.
(٥) ظ : الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ١ / ١٩٤ ـ ١٩٥+ زاد المسير ، ابن الجوزي ، ١ / ٤٧ ـ ٤٨+ فتح القدير ، الشوكاني ، ١ / ٣٧ ـ ٣٨+ روح المعاني ، الآلوسي ، ١ / ١٨١ ـ ١٨٥.