وذهب الزمخشري إلى حمل اللفظة على ظاهرها ولم يضف شيئا ، فقد قال : أي بديع سماواته وأرضه (١) ومال ابن كثير في تفسيره إلى قول الإمام الباقر حينما قال : أي خالقهما على غير مثال سبق بعد أن نقل قول مجاهد والسدي حيث قالا وهو مقتضى اللغة ونقل أيضا قول الطبري : أي مبدعهما (٢).
وكذلك القرطبي ذهب إلى القول : أي منشئهما وموجدهما ومبدعهما على غير حد ولا مثال (٣) ، وكذلك ابن الجوزي في قوله : أنه فطر الخلق مخترعا له لا على مثال سبق (٤).
وذهب الشوكاني والآلوسي إلى القول : أي هو بديع سماواته وأرضه أبدع الشيء أنشأه لا عن مثال ، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه قيل له مبدع (٥).
إذن من خلال هذا الاستعراض لأقوال جملة من المفسرين على اختلاف مناهجهم تبين أن أقوالهم في تفسير الآية الكريمة كانت امتدادا طبيعيا لرأي الإمام الباقر وقوله ، ومستفيدة منه أشد ما تكون الاستفادة بحيث أنهم قد أعرضوا عن باقي الأقوال مكتفين بما تنبؤه من رأيه الذي كان يمثل اعتدالا واضحا في فهم النصوص القرآنية المراد معالجتها وفق منظور إسلامي واع.
رابعا : في تفسير قوله تعالى : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)(٦) فقد وردت عدة روايات عن الإمام الباقر في معنى الآية مفادها جميعا عن زرارة بن أعين عنه أنه قال : شرك طاعة وليس شرك عبادة ، في المعاصي التي يرتكبون فهي شرك طاعة وليس باشراك عبادة أن يعبدوا غيره معه (٧).
قال الطبرسي : إن المراد بالاشراك شرك طاعة لا شرك العبادة ، أطاعوا الشيطان في المعاصي التي يرتكبون مما أوجب الله عليها النار فأشركوا بالله في طاعة
__________________
(١) الكشاف ، الزمخشري ، ١ / ١٨١.
(٢) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ١ / ٢٨١ ـ ٢٨٢.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ٢ / ٧٨.
(٤) زاد المسير ، ابن الجوزي ، ١ / ١٣٦.
(٥) فتح القدير ، الشوكاني ، ١ / ١١٤+ روح المعاني ، الآلوسي ، ١ / ٣٦٧ ـ ٣٦٨.
(٦) يوسف / ١٠٧.
(٧) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٠+ تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٢٧٤+ بحار الأنوار ، المجلسي ، ١٥ / ٦+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ١ / ٨٦٠.