تموج فيه مجموعة من التيارات الدخيلة والمدخلة على الوسط الثقافي الإسلامي ، فلم يكن دور الإمام في تفسيره لآيات التوحيد دور الموضح والكاشف عن المعاني إنما إلى جنب ذلك كان دورا يصح التعبير عنه أنه المصحح والموجه والكاشف عن مكامن الزيغ والضلال ، وإذا تتبعنا أقوال المفسرين ولا سيما المتقدمين منهم سنكتشف أن للإمام الباقر دورا فاعلا في تحديد المنهج الذي ينبغي السير عليه في فهم آيات الله تعالى.
إن عصر الإمام الباقر لم يكن العصر الذي تفهم فيه آيات الله على ظاهرها ، وأن منهج التفويض لم يثبت أنه قد أمر به رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، أما سكوت الصحابة عن تفسير هذه الآيات فلأنهم فهموها على ضوء سليقتهم ولعدم وجود المداخلات الدخيلة على ثقافتهم القرآنية ، وقد ورد التأويل عن ابن عباس رضي الله عنه في كثير من المواضع.
ويظهر لي أن معظم ما ينقل عن الإمام الباقر له علاقة فيما نقل عن آبائه الكرام وعن بعض الصحابة الميامين وهذا يجرنا إلى القول أن تقسيم العصور إلى سلف وخلف تقسيم ضعيف ، فهذا الطبري ينقل لنا في تفسير رأي المؤولين بنزاهة إلى جانب رأي المفوضين ، وهذا مجاهد الذي يقول عنه ابن تيمية : إمام المفسرين (١) ، ويقول عنه الثوري : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به (٢) ، وهو يجنح إلى التأويل ناقلا له عن بعض الصحابة (٣).
ونحن إذا راجعنا تفاسير بعض آيات التوحيد وحكمنا الضوابط التي فسرت في ضوئها نجدها مأخوذة عن تفسير الباقر وغيره ، كضابط تفسير القرآن بالقرآن وضابط تفسير القرآن بقواطع العقل.
إن ضرورة اتباع هذه الضوابط جاءت نتيجة لتغير ظروف العصر ـ زمن الإمام الباقر ـ وظهور الشبهات مع بواكير اختلاط المسلمين بغيرهم من أهل
__________________
(١) مقدمة في أصول التفسير ، ابن تيمية ، ٢٤٧.
(٢) المصدر نفسه والصفحة+ الاتقان ، السيوطي ، ٢ / ٢١٠.
(٣) ظ : محاضرات في تفسير آيات الصفات بين المفوضة والمؤولة ، استاذنا الدكتور محسن عبد الحميد.