أما المفسرون فقد نقل الطبري اختلاف أهل العلم وقال : فقال بعضهم : لا تحيط به الأبصار عن ابن عباس ، وعن سعيد عن قتادة : هو أعظم من أن تدركه الأبصار (١) ، وواضح أن هذه العبارة بنصها عن الإمام الباقر ، ونقل الطبري أيضا بسنده عن عطية العوفي أنه قال : لا تحيط أبصارهم به من عظمته وهو من رأي السدي (٢).
وحجة القائلين بالجواز أنه بغير كيف لا تتوافق مع نص القرآن الكريم وهي الاحاطة الكاملة الشاملة ، وأيد الزمخشري مذهب عدم جواز الرؤية ، واعتبر المعتزلة أن الآية محكمة (٣).
أما الفخر الرازي فقد عقد لتفسير هذه الآية فصلا لغويا ، أصوليا ، كلاميا طويلا ، وعرض وجهات النظر وأدلة الطرفين وما نوقشت به وانتهى إلى مناصرة مذهب أصحابه الأشاعرة (٤).
وقال الطبرسي في تفسير الآية : أي لا تراه العيون لأن الإدراك متى قرن بالبصر لم تفهم منه إلا الرؤية ، وقال : وبهذا خالف سبحانه جميع الموجودات لأن منها ما يرى ويرى كالإنسان وما يرى ولا يرى ، وما لا يرى ولا يرى كغير المدرك من المخلوقات ، وقد تفرد الله بالآية فإنه لا يرى ويرى غيره (٥). وإلى هذا أشار الإمام الباقر فكان مع الذين قالوا باستحالة الرؤية وعدم جوازها وتابعه على ذلك بعض المفسرين كما وضحنا.
ولعل في هذه الشواهد كفاية في توضيح جهود الإمام الباقر في تفسير بعض الآيات القرآنية الكريمة المتعلقة بالتوحيد ونفي الصفات.
ومما تقدم تظهر لنا حقيقتان واضحتان ، الأولى : أن عصر الإمام الباقر لم يكن عصرا كالعصور التي سبقته في وحدة التوجهات الفكرية ، بل كان عصرا
__________________
(١) جامع البيان ، الطبري ، ٧ / ٢٠٠.
(٢) المصدر نفسه ، ٧ / ١٩٩.
(٣) الكشاف ، الزمخشري ، ١ / ٣٢٢.
(٤) التفسير الكبير ، الرازي ، ١٣ / ١٢٤.
(٥) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٤ / ٣٤٤.