إلى مقدمات ضعيفة ربما ترتكز في ذلك على الإسرائيليات ، فقد جاء في هذه الرواية رد على من يرى أن الله تعالى وضع قدمه على صخرة بيت المقدس واعتمد الرد في آلياته على ما يسمى بقياس الأولوية ، فقد أجاب الباقر : أن عبدا من عباده وضع قدمه على حجر فأمرنا أن نتخذه مصلى فكيف إن كان هو إنكارا لزعم المجسمة ، ثم يصرح الإمام في ذلك موجها أنظار الأمة إلى أن الله تعالى لا نظير له ولا شبيه.
ويلاحظ من الرواية أنها نهجت بتفسير القرآن بالقرآن لاستدلالها بقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ، وأن هذه الحوارية تكشف لنا عن الدور الفاعل والكبير الذي أداه الإمام الباقر مقابل تيارات التجسيم التي برزت في العالم الإسلامي ثم حوربت هذه التيارات الفاسدة من قبل المسلمين دولة وفقهاء.
تاسعا : وفي تفسير قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ)(١) فعن محمد بن مسلم الطائفي عن الإمام الباقر قال : أوهام القلوب أدق من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك ، وأوهام القلوب لا تدركه فكيف بأبصار العيون (٢).
لقد اختلفت الفرق الإسلامية في مسألة الرؤية على قولين مشهورين :
الأول : جوازها من غير تكييف ولا إحاطة (٣) ، واستدلوا بأدلة كلها غير قاطعة الدلالة لكن فيها وجه (٤). وفسرت هذه الآية أن الاستدلال بها إنما جاء في سياق التمدح (٥).
الثاني : عدم الجواز لقوله تعالى : (... لَنْ تَرانِي ...)(٦) وقيل أن (لن) هنا تفيد التأبيد ورتبوا عليها استحالة الرؤية (٧). ولأنه لو كان تعالى مرئيا لكان في جهة وحيز.
__________________
(١) الأنعام / ١٠٣.
(٢) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٩٦+ مقتنيات الدرر ، الحائري ، ٣ / ١٦.
(٣) الباجوري على الجوهرة ، ٢ / ١٩+ الدردير شرح الخريدة ، ١٠٠.
(٤) ظ : العقائد العضدية ، الايجي ، ٢ / ١٧٦+ الطحاوية ، ١٤٤+ المواقف ، الايجي ، ٥٤.
(٥) التذكرة ، القرطبي ، ٤٩٢.
(٦) الأعراف / ١٤٣.
(٧) أوائل المقالات ، الشيخ المفيد ، ٦٢+ شرح الأصول الخمسة ، القاضي عبد الجبار ، ٢٣٣.