والشفاعة من المسائل المهمة المتعلقة بالمعاد والتي من خلالها يعول المذنبون من المكلفين على إسقاط بعض العقوبات الأخروية عنهم بوساطة الأنبياء والرسل ومن تبعهم من الأئمة والأولياء ـ على رأي البعض ـ أو لرفع الدرجات للصالحين منهم كذلك.
وهي قسمان : مثبتة ومنفية : والمثبتة هي التي أثبتها الله لأهل الاخلاص ، ولها شرطان : أحدها : إذن الله للشافع ورضاه لقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً)(١) ومن يأذن له الرحمن لا بد أن تكون له وجاهة يستنزل بها رحمة الله تعالى وإحسانه ، والثاني : أن يكون المشفوع له من المؤمنين المذنبين.
أما الشفاعة المنفية وهي التي تطلب من غير الله تعالى أو بغير إذنه أو لأهل الشرك فقد نفتها الآيات الكريمة من مثل قوله تعالى : (... فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ)(٢).
وقد اتفق علماء الأمة على حصول شفاعة النبي (صلىاللهعليهوآله) (٣) ، إلا أنهم اختلفوا في جواز استحقاق أهل الكبائر لها قبل التوبة فالأشعرية والإمامية والمرجئة قالت بحصول شفاعة النبي لهم (٤) ، بينما أنكرتها المعتزلة والخوارج (٥).
الشفاعة في القرآن الكريم
دلّت على الشفاعة آيات كثيرة منطوقا ومفهوما ، نفيا وإثباتا في الدنيا والآخرة وهي على أقسام :
الأول : الآيات التي تدل على انحصار الشفاعة في الله واختصاصها به (عزوجل) قال تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
__________________
(١) طه / ١٠٩.
(٢) المدثر / ٤٨.
(٣) المواقف الايجي ، ٨ / ٣١٢+ شرح العقيدة الطحاوية ، ١٩١ ـ ١٩٨+ الاقتصاد ، الشيخ الطوسي ، ٢٠٦.
(٤) الابانة ، الأشعري ، ٩٨+ الفصل ، ابن حزم ، ٤ / ٦٣+ التفسير الكبير ، الرازي ، ٢١ / ٢٥٣+ أوائل المقالات ، الشيخ المفيد ، ٥٥٢+ كشف المراد ، العلامة الحلي ، ٢٦٢.
(٥) أصول الدين الإسلامي ، الخطيب البغدادي ، ٢٤٤+ الفصل ، ابن حزم ، ٤ / ٦٣.