كل هذه الظروف واحدا من أعلام المربين والموجهين ، ظهرت توجيهاته في الجانب التربوي والأخلاقي وأثرت عنه في هذا المجال مجموعة ضخمة من الروايات والأقوال ذكرنا بعضا منها في الفصل الثاني من الباب الأول من هذه الرسالة.
أما الروايات المتعلقة بتفسير آيات القرآن الكريم والتي يستنبط منها أحكام الجانب التربوي والأخلاقي فقد كانت قليلة جدا بحيث لم ترب على (١٥) رواية تفسيرية ، سنعرضها وفق تسلسل الآيات في السور والسور في المصحف الشريف وهو منهج التزمنا به في كل فصول هذه الرسالة ، وإليك تلك الروايات :
أولا : في الحلم وكظم الغيظ
وهما ضبط النفس إزاء مثيرات الغضب ، وهما أشرف السجايا وأعز الخصال ودليلان على سمو النفس وكرم الأخلاق.
وقد مدح الله الحلماء والكاظمين الغيظ ، وأثنى عليهم في قوله تعالى : (... وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً)(١) وفي قوله تعالى (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(٢).
وعلى هذا النسق جاءت توجيهات الإمام الباقر (عليهالسلام) ، فقد ورد في تفسير قوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)(٣) عن جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليهالسلام) قال قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم ، فإن الله تبارك وتعالى يبغض اللعان ، السباب ، الطعان على المؤمنين ، المتفحش ، السائل الملحف ويحب الحيي ، الحليم ، المتعفف (٤).
وايد الرازي المتوفى (٦٠٦ ه) بقاء هذه الآية على عمومها وأنه لا حاجة إلى التخصيص وعده هو القول الأقوى ـ أي تفسير الإمام الباقر المتقدم ـ واستدل عليه بما يعضده من آيات قرآنية كريمة أخرى فقال : أن موسى وهارون (عليهماالسلام) مع
__________________
(١) الفرقان / ٦٣.
(٢) آل عمران / ١٣٤.
(٣) البقرة / ٨٣.
(٤) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٤٨+ الصافي في تفسير القرآن ، الكاشاني ، ١ / ٢٢٧+ بحار الأنوار ، المجلسي ، ٧ / ١٠٨.