أمر الغنائم بل تعدى بها إلى كل صور التخاصم والتناحر التي قد تحصل بين المسلمين فرسم صورة لاستراحة الشيطان بعد جهد مضن في بث روح العداء بينهم ، وكثيرا ما كان الإمام موصيا وواعظا كما أرادت التربية الإلهية والتوجيه الرباني لمعاشر المؤمنين بالتآلف والمحبة في الله فيما بينهم.
وإذا ما أردنا أن نتلمس صورة حية للتآخي الروحي الإسلامي نجده واضحا جليا في المسلمين الأوائل من مهاجرين وأنصار ، فالرسول الكريم (صلىاللهعليهوآله) ومعه تلك الثلة المباركة القليلة العدد في أول الدعوة من صحابته الكرام استطاع بدينه العظيم أن يحطم أسطورة الإمبراطوريتين العالميتين آنذاك ، وما كان ذلك ليكون لو لا وجود أهم ركيزة من ركائز ذلك الانتصار والزحف المبارك إلا وهو التآخي والمودة الروحيين فما اجدر المسلمين اليوم بأن يتحلوا بهما لتأزم الموقف وخطورة المعطيات.
تاسعا : في أدب دخول البيوت
قال تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)(١) أن القرآن الكريم لم يترك صغيرة وكبيرة تهم الجانب التربوي والأخلاقي إلا وشرع لها حكما أو أسس لها قاعدة كلية ترك تفريعاتها وجزئياتها للفقهاء الأعلام من هذه الأمة ، وها هو في سورة النور يذكر آداب الاستئذان بمعناه العام والخاص ومن جملة تلك الآداب أدب دخول البيوت.
ففي قوله تعالى : (... فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً)(٢) عن أبي الصباح وزياد بن المنذر قالا : سألنا أبا جعفر (عليهالسلام) عن قوله تعالى : (... فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً) فقال : هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل عليهم ثم يردون عليه فهو سلامكم على أنفسكم ، وإن لم يكن فيه أحد فليقل : السلام علينا من ربنا (٣).
__________________
(١) المائدة / ٣.
(٢) النور / ٦١.
(٣) تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ١٠٩+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ٢ / ١٨٣.