وكفاها شرفا أن الله تبارك وتعالى مدح المتحلين بها ، فقال : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ)(١) وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(٢).
ولمبدأ الأمانة أثر بالغ في حياة الأمم والأفراد ، فهي نظام أعمالهم وقوام شئونهم وعماد نبلهم وشرفهم وسبيل رقيهم المادي والأدبي ، ومن البدهي أن من تحلى بالأمانة كان مثار التقدير والإعجاب وحاز ثقة الناس واعتزازهم وشاركهم في أموالهم ، ويصدق ذلك على الأمم عامة ، فإن حياتها لا تسمو ولا تزدهر إلا في محيط تسوده الثقة والأمانة.
وكان رمز الأمانة وعنوانها وحامل لوائها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قبل النبوة في تلقيبه من قبل عامة الناس بالصادق الأمين ، وبعد النبوة في اجتماع خصال الفضل فيه وانحياز النبل إليه ، فقد حاربه كفار قريش وعتاتها في مكة وأذاقوا أصحابه أصناف العذاب وأطلقوا عليه سيلا من الأسماء المفتريات كساحر ومجنون ولكنهم على الرغم من ذلك كله كانوا إذا أرادوا أن يأتمنوا أحدا على أموالهم أودعوها عنده ، فكان بحق كما وصفه ربه (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(٣).
ومما أثر عن الإمام الباقر (عليهالسلام) في هذا المجال ، في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ...)(٤) عن جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر (عليهالسلام) قال : إنها في كل من اؤتمن أمانة من الأمانات ، وأمانات الله أوامره ونواهيه وأمانات عباده فيما يأتمن بعضهم بعضا من مال وغيره (٥).
ونقل الشيخ الطوسي عن الإمام الباقر (عليهالسلام) قوله : إن أداء الصلاة والزكاة والصوم والحج من الأمانة ويكون الأمر للآمر بأداء الأمانة من الغنائم والصدقات وغير ذلك مما يتعلق به حق الرعية (٦).
__________________
(١) المؤمنون / ٨ ، المعارج / ٣٢.
(٢) الأنفال / ٢٧.
(٣) القلم / ٤.
(٤) النساء / ٥٨.
(٥) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٦ / ٢٨٩+ تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٤٩.
(٦) التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي ، ٥ / ٢٣٤.