١ ـ قال الإمام أبو جعفر الباقر : لا يكون العبد عالما حتى لا يكون حاسدا لما فوقه ، ولا محقرا لما دونه (١).
وتلك لعمري من أعظم الآفات وأفتك الأمراض ، فما أن يكون الإنسان حاسدا حتى يلقى الناس منه شرورا وآثاما ، فكيف بالعالم العارف فيجب عليه إذا أن يتواضع للناس محتقرا لنفسه بجنب عظمة الله سبحانه وتعالى.
٢ ـ روى الإمام الباقر (عليهالسلام) عن الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قوله : إذا رأيتم القارئ ـ أي العالم ـ يحب الأغنياء فهو صاحب دنيا ، وإذا رأيتموه يلزم السلطان من غير ضرورة فهو لص (٢).
إن حب العالم للأغنياء إنما هو الطمع في أموالهم وما يستفيد منهم ، وهذا ليس من أخلاق العلماء الذين أمروا أن يرجو ما عند الله ويتقربوا إليه ، ولا يتقربون أو يرجون غيره. أما ملازمة السلطان أو الوقوف على أبوابهم من غير حاجة فينم عن تملق ذلك العالم فيجر على نفسه الويلات وهو في غنى عنها ، وخير ما قيل في هذا الصدد : إذا وقف العلماء على أبواب السلاطين فبئس العلماء وبئس السلاطين ، وإذا وقف السلاطين على أبواب العلماء فنعم العلماء ونعم السلاطين.
ومن هذه الطائفة المتقدمة من أقوال الإمام الباقر (عليهالسلام) يتضح لنا ما كان يكنه لهم من التبجيل والاحترام على اختلاف مقاصدهم وتباين فروعهم ، فهم عنده سواسية لا يميز واحدا منهم على الآخر ، لا لتشيعه ولا لأي مقصد آخر ، فنراه مثلا يقول لأبان بن تغلب : اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فإني أحب أن أرى في شيعتي مثلك (٣).
ونراه في الوقت نفسه يقول : يزيدني حبا لقدومي مكة لقاء عمرو بن دينار (٤)(٥).
__________________
(١) الأخبار الموفقيات ، الزبير بن بكار ، ٤٠٠+ تحف العقول ، ابن شعبة الحراني ، ٢٩٨.
(٢) البداية والنهاية ، ابن كثير الدمشقي ، ٩ / ٣١٠+ الإمام الصادق ، الشيخ محمد أبو زهرة ، ٢٤.
(٣) ظ : ص ١٣٦ من الفصل الثالث من الباب الأول من هذه الرسالة.
(٤) الكنى والأسماء ، الدولابي ، ١ / ١٣٥.
(٥) هو عمرو بن دينار ، أبو محمد الجمحي ، مولاهم ، اليمني ، صنعاني ، المكي ، أحد الأعلام ومن الرواة الستة ، وقد وثقه جمهور العلماء مات أول سنة (١٢٦ ه). انظر : بعض مصادر ترجمته : الطبقات الكبرى ، ابن سعد ، ٥ / ٣٥٣+ التاريخ الكبير ، البخاري ، ق ٣ / ٢ / ٨+ شذرات الذهب ، ابن العماد الحنبلي ، ١ / ١٧١.