والمتكلمين الى إثبات قرآن حكما لا علما بخبر الواحد دون الاستفاضة وكره ذلك أهل الحق ، وامتنعوا منه» (١).
وهذا القول الذي نقله القاضي واضح الفساد ـ لنفس الدليل المتقدم ـ وهو أن توفر الدواعي للنقل دليل قطعي على كذب الخبر إذا اختص نقله بواحد أو اثنين. فإذا أخبرنا شخص أو شخصان بدخول ملك عظيم الى بلد ، وكان دخول ذلك الملك الى ذلك البلد مما يمتنع في العادة أن يخفى على الناس ، فإنا لا نشك في كذب هذا الخبر إذا لم ينقله غير ذلك الشخص أو الشخصين ، ومع العلم بكذبه كيف يكون موجبا لاثبات الآثار التي تترتب على دخول الملك ذلك البلد. وعلى ذلك ، فإذا نقل القرآن بخبر الواحد ، كان ذلك دليلا قطعيا على عدم كون هذا المنقول كلاما إلهيا ، وإذا علم بكذبه ، فكيف يمكن التعبد بالحكم الذي يشتمل عليه.
وعلى كل حال فلم يختلف المسلمون في أن القرآن ينحصر طريق ثبوته والحكم بأنه كلام إلهي بالخبر المتواتر.
وبهذا يتضح أنه ليست بين تواتر القرآن ، وبين عدم تواتر القراءات أية ملازمة ، لأن أدلة تواتر القرآن وضرورته لا تثبت ـ بحال من الأحوال ـ تواتر قراءاته ، كما ان أدلة نفي تواتر القراءات لا تتسرب إلى تواتر القرآن بأي وجه وسيأتي بيان ذلك ـ في بحث «نظرة في القراءات» ـ على وجه التفصيل.
الثاني : ان الطريق الأفضل إلى إثبات عدم تواتر القراءات هو معرفة القرّاء أنفسهم ، وطرق رواتهم ، وهم سبعة قراء. وهناك ثلاثة آخرون تتمّ بهم العشرة ، نذكرهم عقيب هؤلاء. وإليك تراجمهم ، واستقراء أحوالهم واحدا بعد واحد :
__________________
(١) الإتقان : ١ / ٢٤٣ ، في النوع ٢٢ ـ ٢٧ الطبعة الثالثة.