ذلك أيضا ، وإعراضه عن قراءة غيره دليل قطعي على أن القراءات تستند إلى اجتهاد القراء وآرائهم ، لأنها لو كانت متواترة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يحتج في إثبات صحتها إلى الاستدلال والاحتجاج.
الخامس : ان في إنكار جملة من أعلام المحققين على جملة من القراءات دلالة واضحة على عدم تواترها ، إذ لو كانت متواترة لما صح هذا الإنكار فهذا ابن جرير الطبري أنكر قراءة ابن عامر ، وطعن في كثير من المواضع في بعض القراءات المذكورة في السبع ، وطعن بعضهم على قراءة حمزة ، وبعضهم على قراءة أبي عمرو ، وبعضهم على قراءة ابن كثير. وان كثيرا من العلماء أنكروا تواتر ما لا يظهر وجهه في اللغة العربية ، وحكموا بوقوع الخطأ فيه من بعض القرّاء (١).
وقد تقدم في ترجمة حمزة إنكار قراءته من إمام الحنابلة أحمد ، ومن يزيد بن هارون ، ومن ابن مهدي (٢) ومن أبي بكر بن عياش ، ومن ابن دريد.
قال الزركشي : ـ بعد ما اختار أن القراءات توقيفية ـ خلافا لجماعة منهم الزمخشري ، حيث ظنوا أنها اختيارية ، تدور مع اختيار الفصحاء ، واجتهاد البلغاء ، وردّ على حمزة قراءة «والأرحام» بالخفض ، ومثل ما حكي عن أبي زيد ، والأصمعي ، ويعقوب الحضرمي أنهم خطئوا حمزة في قراءته «وما أنتم بمصرخيّ» بكسر الياء المشددة ، وكذلك أنكروا على أبي عمرو إدغامه الراء في اللام في «يغفر لكم». وقال الزجاج : «إنه غلط فاحش» (٣).
__________________
(١) التبيان : ص ١٠٦ للمعتصم بالله طاهر بن صالح بن أحمد الجزائري. طبع في مطبعة المنار سنة ١٣٣٤.
(٢) هو عبد الرحمن بن مهدي قال في تهذيب التهذيب : ٦ / ٢٨٠ ، قال أحمد بن سنان : سمعت علي بن المديني يقول : «كان عبد الرحمن بن مهدي أعلم الناس» قالها مرارا. وقال الخليلي : «هو إمام بلا مدافعة». وقال الشافعي : «لا أعرف له نظيرا في الدنيا».
(٣) التبيان : ص ٨٧.