ولعل أحدا يحاول أن يقول : إن القراءات ـ وإن لم تكن متواترة ـ إلا أنها منقولة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فتشملها الأدلة القطعية التي أثبتت حجية الخبر الواحد ، وإذا شملتها هذه الأدلة القطعية خرج الاستناد إليها عن العمل بالظن بالورود ، أو الحكومة ، أو التخصيص (١).
الجواب :
أولا : ان القراءات لم يتضح كونها رواية ، لتشملها هذه الأدلة ، فلعلها اجتهادات من القراء ، ويؤيد هذا الاحتمال ما تقدم من تصريح بعض الأعلام بذلك ، بل إذا لاحظنا السبب الذي من أجله اختلف القراء في قراءاتهم ـ وهو خلوّ المصاحف المرسلة إلى الجهات من النقط والشكل ـ يقوى هذا الاحتمال جدا.
قال ابن أبي هاشم :
«إن السبب في اختلاف القراءات السبع وغيرها. ان الجهات التي وجهت إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل. قال : فثبت أهل كل ناحية على ما كانوا تلقوه سماعا عن الصحابة ، بشرط موافقة الخط ، وتركوا ما يخالف الخط ... فمن ثم نشا الاختلاف بين قراء الأمصار» (٢).
وقال الزرقاني :
«كان العلماء في الصدر الأول يرون كراهة نقط المصحف وشكله ، مبالغة منهم في
__________________
(١) وقد أوضحنا الفرق بين هذه المعاني في مبحث «التعادل والترجيح» في محاضراتنا الاصولية المنتشرة.
(المؤلف).
(٢) التبيان : ص ٨٦.