وبيان ذلك : أن نسخ التلاوة هذا إما أن يكون قد وقع من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وإما أن يكون ممن تصدّى للزعامة من بعده ، فإن أراد القائلون بالنسخ وقوعه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فهو أمر يحتاج إلى الإثبات. وقد اتفق العلماء أجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد ، وقد صرّح بذلك جماعة في كتب الأصول وغيرها (١) بل قطع الشافعي وأكثر أصحابه ، وأكثر أهل الظاهر بامتناع نسخ الكتاب بالسّنة المتواترة ، وإليه ذهب أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه ، بل إن جماعة ممن قال بإمكان نسخ الكتاب بالسنة المتواترة منع وقوعه (٢). وعلى ذلك فكيف تصحّ نسبة النسخ إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأخبار هؤلاء الرواة؟ مع أن نسبة النسخ إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تنافي جملة من الروايات التي تضمنت أن الاسقاط قد وقع بعده. وإن أرادوا أن النسخ قد وقع من الذين تصدّوا للزعامة بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فهو عين القول بالتحريف. وعلى ذلك. فيمكن أن يدّعى أن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنة ، لأنهم يقولون بجواز نسخ التلاوة. سواء أنسخ الحكم أم لم ينسخ ، بل تردّد الاصوليون منهم في جواز تلاوة الجنب ما نسخت تلاوته ، وفي جواز أن يمسّه المحدث. واختار بعضهم عدم الجواز. نعم ذهبت طائفة من المعتزلة إلى عدم جواز نسخ التلاوة (٣).
ومن العجيب أن جماعة من علماء أهل السنة أنكروا نسبة القول بالتحريف إلى أحد من علمائهم ، حتى أن الآلوسي كذّب الطبرسي في نسبة القول بالتحريف إلى الحشوية ، وقال : «إن أحدا من علماء أهل السنة لم يذهب إلى ذلك».
واعجب من ذلك أنه ذكر أن قول الطبرسي بعدم التحريف نشأ من ظهور فساد
__________________
(١) الموافقات لأبي إسحاق الشاطبي : ٣ / ١٠٦ طبعة المطبعة الرحمانية بمصر.
(٢) الإحكام في اصول الأحكام للآمدي : ٣ / ٢١٧.
(٣) نفس المصدر : ٣ / ٢٠١ ـ ٢٠٣.