ثانيا : أن هذا الدليل لو تم لكان دالا على وقوع الزيادة في القرآن أيضا ، كما وقعت في التوراة والإنجيل ، ومن الواضح بطلان ذلك.
ثالثا : إن كثيرا من الوقائع التي حدثت في الأمم السابقة لم يصدر مثلها في هذه الأمة ، كعبادة العجل ، وتيه بني إسرائيل أربعين سنة ، وغرق فرعون وأصحابه ، وملك سليمان للإنس والجن ، ورفع عيسى إلى السماء وموت هارون وهو وصي موسى قبل موت موسى نفسه ، وإتيان موسى بتسع آيات بينات ، وولادة عيسى من غير أب ، ومسخ كثير من السابقين قردة وخنازير ، وغير ذلك مما لا يسعنا إحصاؤه ، وهذا أدل دليل على عدم إرادة الظاهر من تلك الروايات ، فلا بد من إرادة المشابهة في بعض الوجوه.
وعلى ذلك فيكفي في وقوع التحريف في هذه الامّة عدم اتباعهم لحدود القرآن ، وإن أقاموا حروفه كما في الرواية التي تقدمت في صدر البحث ، ويؤكد ذلك ما رواه أبو واقد الليثي : «أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لما خرج إلى خيبر مرّ بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط ، يعقلون عليها أسلحتهم. فقالوا : يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سبحان الله هذا كما قال قوم موسى : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، والذي نفسي بيده لتركبن سنّة من كان قبلكم» (١) فإن هذه الرواية صريحة في أن الذي يقع في هذه الأمة ، شبيه بما وقع في تلك الأمم من بعض الوجوه.
رابعا : لو سلّم تواتر هذه الروايات في السند ، وصحتها في الدلالة ، لما ثبت بها أن التحريف قد وقع فيما مضى من الزمن ، فلعله يقع في المستقبل زيادة ونقيصة ، والذي يظهر من رواية البخاري تحديده بقيام الساعة ، فكيف يستدل بذلك على وقوع التحريف في صدر الإسلام ، وفي زمان الخلفاء.
__________________
(١) سنن الترمذي : ٩ / ٢٦ ، كتاب الفتن باب ما جاء لتركبنّ سنن من قبلكم رقم الحديث : ٢١٠٦ ، ومسند احمد : مسند الأنصار ، رقم الحديث : ٢٠٨٩٢.