وأخرس بفصاحته كل خطيب لسن ، وقد كانت العرب بأجمعهم متوجهين إليه ، سواء في ذلك مؤمنهم وكافرهم ، فالمؤمن يحفظه لإيمانه ، والكافر يتحفظ به لأنه يتمنى معارضته ، وإبطال حجته.
٢ ـ إظهار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم رغبته بحفظ القرآن ، والاحتفاظ به : وكانت السيطرة والسلطة له خاصة ، والعادة تقضي بأن الزعيم إذا أظهر رغبته بحفظ كتاب أو بقراءته فإن ذلك الكتاب يكون رائجا بين جميع الرعية ، الذين يطلبون رضاه الدين أو دنيا.
٣ ـ إن حفظ القرآن سبب لارتفاع شأن الحافظ بين الناس ، وتعظيمه عندهم : فقد علم كل مطّلع على التاريخ ما للقرّاء والحفّاظ من المنزلة الكبيرة ، والمقام الرفيع بين الناس ، وهذا أقوى سبب لاهتمام الناس بحفظ القرآن جملة ، أو بحفظ القدر الميسور منه.
٤ ـ الأجر والثواب الذي يستحقه القارئ والحافظ بقراءة القرآن وحفظه : هذه أهم العوامل التي تبعث على حفظ القرآن والاحتفاظ به ، وقد كان المسلمون يهتمون بشأن القرآن ، ويحتفظون به أكثر من اهتمامهم بأنفسهم ، وبما يهمهم من مال وأولاد. وقد ورد أن بعض النساء جمعت جميع القرآن.
أخرج ابن سعد في طبقات : «أنبأنا الفضل ابن دكين ، حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع ، قال : حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يزورها ، ويسميها الشهيدة وكانت قد جمعت القرآن ، ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين غزا بدرا ، قالت له : أتأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وامرّض مرضاكم لعل الله يهدي لي شهادة؟ قال : إن الله مهّد لك شهادة ...» (١)
__________________
(١) الإتقان : ١ / ١٢٥ ، النوع ٢٠.