والجواب :
إن الحكم المجعول من قبل الحكيم قد لا يراد منه البعث ، أو الزجر الحقيقيين كالأوامر التي يقصد بها الامتحان ، وهذا النوع من الأحكام يمكن إثباته أولا ثم رفعه ، ولا مانع من ذلك ، فإن كلا من الإثبات والرفع في وقته قد نشأ عن مصلحة وحكمة ، وهذا النسخ لا يلزم منه خلاف الحكمة ، ولا ينشأ من البداء الذي يستحيل في حقه تعالى ، وقد يكون الحكم المجعول حكما حقيقيا ، ومع ذلك ينسخ بعد زمان ، لا بمعنى أن الحكم بعد ثبوته يرفع في الواقع ونفس الأمر ، كي يكون مستحيلا على الحكيم العالم بالواقعيات ، بل هو بمعنى أن يكون الحكم المجعول مقيدا بزمان خاص معلوم عند الله ، مجهول عند الناس ، ويكون ارتفاعه بعد انتهاء ذلك الزمان ، لانتهاء أمده الذي قيد به ، وحلول غايته الواقعية التي أنيط بها.
والنسخ بهذا المعنى ممكن قطعا ، بداهة : أن دخل خصوصيات الزمان في مناطات الأحكام مما لا يشك فيه عاقل ، فإن يوم السبت ـ مثلا ـ في شريعة موسى عليهالسلام قد اشتمل على خصوصية تقتضي جعله عيدا لأهل تلك الشريعة دون بقية الأيام ، ومثله يوم الجمعة في الإسلام ، وهكذا الحال في أوقات الصلاة والصيام والحج ، وإذا تصورنا وقوع مثل هذا في الشرائع فلنتصور أن تكون للزمان خصوصية من جهة استمرار الحكم وعدم استمراره. فيكون الفعل ذا مصلحة في مدة معينة ، ثم لا تترتب عليه تلك المصلحة بعد انتهاء تلك المدة ، وقد يكون الأمر بالعكس.
وجملة القول : إذا كان من الممكن أن يكون للساعة المعينة ، أو اليوم المعين أو الأسبوع المعين ، أو الشهر المعين تأثير في مصلحة الفعل أو مفسدته أمكن دخل السنة في ذلك أيضا ، فيكون الفعل مشتملا على مصلحة في سنين معينة ، ثم لا تترتب