(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) «٩ : ٧٣».
وذهب بعضهم إلى أنها مخصوصة بأهل الكتاب ، فإنهم لا يقاتلون لكفرهم ، وقد عرفت ذلك فيما تقدم.
والحق : أن الآية محكمة وليست منسوخة ، ولا مخصوصة ، وتوضيح ذلك : أن الكره في اللغة يستعمل في معنيين ، أحدهما : ما يقابل الرضا ، ومنه قوله تعالى :
(وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) «٢ : ٢١٦».
وثانيهما : ما يقابل الاختيار ، ومنه قوله تعالى :
(حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) «٤٦ : ١٥».
فان الحمل والوضع يكونان في الغالب عن رضى ، ولكنهما خارجان عن الاختيار ، والقول بالنسخ أو بالتخصيص يتوقف على أن الإكراه في الآية قد استعمل بالمعنى الأول ، وهو باطل لوجوه :
١ ـ إنه لا دليل على ذلك : ولا بد في حمل اللفظ المشترك على أحد معنييه من وجود قرينة تدل عليه.
٢ ـ إن الدين أعم من الأصول والفروع ، وذكر الكفر والإيمان بعد ذلك ليس فيه دلالة على الاختصاص بالأصول فقط ، وإنما ذلك من قبيل تطبيق الكبرى على صغراها ، ومما لا ريب فيه أن الإكراه بحق كان ثابتا في الشرع الإسلامي من أول الأمر على طبق السيرة العقلائية ، وأمثلته كثيرة ، فمنها إكراه المديون على أداء دينه ، وإكراه الزوجة على إطاعة زوجها ، وإكراه السارق على ترك السرقة ، إلى أمثال ذلك ، فكيف يصح أن يقال : إن الإكراه في الشريعة الإسلامية لم يكن في زمان.