مختصة بزناء النساء من ثيب أو بكر ، والآية الثانية مختصة بزناء الرجال ثيبا كان أو بكرا ، وقد نسخت كلتاهما بحكم الرجم والجلد (١).
وكيف كان فقد ذكر أبو بكر الجصاص أن الامة لم تختلف في نسخ هذين الحكمين عن الزانيين (٢).
والحق : أنه لا نسخ في الآيتين جميعا ، وبيان ذلك : أن المراد من لفظ الفاحشة ما تزايد قبحه وتفاحش ، وذلك قد يكون بين امرأتين فيكون مساحقة وقد يكون بين ذكرين فيكون لواطا ، وقد يكون بين ذكر وأنثى فيكون زنى ، ولا ظهور للفظ الفاحشة في خصوص الزنا لا وضعا ولا انصرافا ، ثم ان الالتزام بالنسخ في الآية الأولى يتوقف.
أولا : على أن الإمساك في البيوت حد لارتكاب الفاحشة.
ثانيا : على أن يكون المراد من جعل السبيل هو ثبوت الرجم والجلد وكلا هذين الأمرين لا يمكن إثباته ، فإن الظاهر من الآية المباركة أن إمساك المرأة في البيت إنما هو لتعجيزها عن ارتكاب الفاحشة مرة ثانية ، وهذا من قبيل دفع المنكر ، وقد ثبت وجوبه بلا إشكال في الأمور المهمة كالأعراض ، والنفوس ، والأمور الخطيرة ، بل في مطلق المنكرات على قول بعض ، كما أن الظاهر من جعل السبيل للمرأة التي ارتكبت الفاحشة هو جعل طريق لها تتخلص به من العذاب ، فكيف يكون منه الجلد والرجم ، وهل ترضى المرأة العاقلة الممسكة في البيت مرفّهة الحال أن ترجم أو تجلد ، وكيف يكون الجلد أو الرجم سبيلا لها وإذا كان ذلك سبيلا لها فما هو السبيل عليها؟!.
__________________
(١) الناسخ والمنسوخ : ص ٩٨.
(٢) أحكام القرآن للجصاص : ٢ / ١٠٧.