وعلى ما تقدم : فقد يكون المراد من الفاحشة خصوص المساحقة ، كما أن المراد بها في الآية الثانية خصوص اللواط ، «وسنبين ذلك إن شاء الله تعالى» ، وقد يكون المراد منها ما هو أعم من المساحقة والزنا ، وعلى كلا هذين الاحتمالين يكون الحكم وجوب إمساك المرأة التي ارتكبت الفاحشة في البيت حتى يفرّج الله عنها ، فيجيز لها الخروج إما للتوبة الصادقة التي يؤمن معها من ارتكاب الفاحشة مرة ثانية ، وإما لسقوط المرأة عن قابلية ارتكاب الفاحشة لكبر سنها ونحوه ، وإما بميلها إلى الزواج وتزوجها برجل يتحفظ عليها ، وإما بغير ذلك من الأسباب التي يؤمن معها من ارتكاب الفاحشة. وهذا الحكم باق مستمر ، وأما الجلد أو الرجم فهو حكم آخر شرّع لتأديب مرتكبي الفاحشة ، وهو أجنبي عن الحكم الأول ، فلا معنى لكونه ناسخا له.
وبتعبير آخر : إن الحكم الأول شرّع للتحفظ عن الوقوع في الفاحشة مرة أخرى والحكم الثاني شرّع للتأديب على الجريمة الأولى ، وصونا لباقى النساء عن ارتكاب مثلها فلا تنافي بين الحكمين لينسخ الأول بالثاني. نعم إذا ماتت المرأة بالرجم أو الجلد ارتفع وجوب الإمساك في البيت لحصول غايته ، وفيما سوى ذلك فالحكم باق ما لم يجعل الله لها سبيلا.
وجملة القول : إن المتأمل في معنى الآية لا يجد فيها ما يوهم النسخ ، سواء في ذلك تأخر آية الجلد عنها وتقدمها عليها.
وأما القول : بالنسخ في الآية الثانية فهو أيضا يتوقف :
أولا : على أن يراد من الضمير في قوله تعالى : «يأتيانها» الزنا.
ثانيا : على أن يراد بالإيذاء الشتم والسب والتعيير ونحو ذلك ، وكلا هذين