وأما القول الثاني : فلأن وجوب الوضوء عند القيام إلى الصلاة لا مساس له بمضمون الآية الكريمة ليكون ناسخا لها.
ولعل القائل بالنسخ يتوهم فيقول : إن النهي عن القرب إلى الصلاة حالة السكر يقتضي أن يراد بالسكر ما لا يبلغ بالشخص إلى حد الغفلة عن التكاليف وامتثالها ، وعدم الالتفات إليها. فإن الذي يصل به السكر إلى هذا الحد يكون تكليفه قبيحا ، وعلى ذلك فإذا فرضنا أن شخصا شرب الخمر ، وحصل له هذا المقدار من السكر فهو مكلف بالصلاة بالإجماع ، وذلك يستلزم نسخ مفاد الآية.
ولكن هذا القول توهم فاسد ، فإن المراد بالسكر بقرينة قوله تعالى :
(حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) «٤ : ٤٣».
هي المرتبة التي يفقد السكران معها الشعور ، وهذا النهي قد يحمل على الحرمة التكليفية ، ولا ينافيها فقد الشعور ، لأن إقامة الصلاة في ذلك الحال ، وإن كانت غير مقدورة إلا أن فقده لشعوره هذا كان باختياره ، والممتنع بالاختيار لا ينافي صحة العقاب عليه عقلا ، فيصح تعلق النهي بها قبل أن يتناول المسكر باختياره ، ومثل هذا كثير في الشريعة الإسلامية.
وقد يراد من النهي : الإرشاد إلى فساد الصلاة في هذا الحال كما هو الظاهر من مثل هذا التركيب ، والأمر على هذا الاحتمال واضح جدا ، وعلى كل فلا سبب يوجب الالتزام بالنسخ في الآية.
١٦ ـ (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ