فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) «٤ : ٩٠».
فقد ذكروا أن الآية منسوخة بالأمر بنبذ ميثاق المشركين ، وبالأمر بقتالهم سواء أكانوا اعتزلوا المسلمين أم لم يعتزلوهم ، فيكون في الآية موردان للنسخ.
والجواب :
إن الآية الكريمة نزلت في شأن المنافقين الذين تولوا وكفروا بعد إسلامهم في الظاهر ، والدليل على ذلك سياق الآية الكريمة ، فقد قال الله تعالى :
(فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ٤ : ٨٨. وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً : ٨٩. إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ : ٩٠).
وعلى ذلك فالحكم في الآية وارد في المرتدين الذين كانوا كفارا ثم أسلموا ثم كفروا بعد إسلامهم ، والحكم فيهم بمقتضى الآية هو القتل إلا في موردين :
١ ـ وصولهم إلى قوم بينهم وبين المسلمين معاهدة ، واستجارتهم بهم فيجري عليهم حكم القوم الذين استجاروا بهم بمقتضى المعاهدة ، ولكن هذا الحكم مشروط ببقاء المعاهدة ، فإذا ألغيت بينهم وبين المسلمين لم يبق للحكم موضوع وقد أوضحنا في أول هذا البحث أن ارتفاع الحكم بسبب ارتفاع موضوعه ليس من النسخ في شىء ، وقد ألغيت المعاهدة بين المسلمين والمشركين في سورة التوبة وأمهلوا أربعة