معنى لجواز أن يكون الساجد أشرف مما يستقبله.
الرأي الثالث :
إن السجود لآدم حيث كان بأمر من الله تعالى فهو في الحقيقة خضوع لله وسجود له.
وبيان ذلك : ان السجود هو الغاية القصوى للتذلل والخضوع ، ولذلك قد خصّه الله بنفسه ، ولم يرخص عباده أن يسجدوا لغيره ، وإن لم يكن السجود بعنوان العبودية من الساجد ، والربوبية للمسجود له. غير أن السجود لغير الله إذا كان بأمر من الله كان في الحقيقة عبادة له وتقربا اليه ، لأنه امتثال لأمره ، وانقياد لحكمه ، وإن كان في الصورة تذللا للمخلوق. ومن أجل ذلك يصح عقاب المتمرد عن هذا الأمر ، ولا يسمع اعتذاره بأنه لا يتذلل للمخلوق ، ولا يخضع لغير الآمر. (١)
وهذا هو الوجه الصحيح : فإن العبد يجب أن لا يرى لنفسه استقلالا في أموره ، بل يطيع مولاه من حيث يهوى ويشتهي. فإذا أمره بالخضوع لأحد وجب عليه أن يمتثله ، وكان خضوعه حينئذ خضوعا لمولاه الذي أمره به (٢).
ونتيجة ما قدمناه :
أنه لا بد في كل عمل يتقرب به العبد إلى ربه من أن يكون مأمورا به من قبله بدليل خاص أو عام. وإذا شك في أن ذلك العمل مأمور به كان التقرب به تشريعا محرما بالأدلة الأربعة. نعم إن زيارة القبور وتقبيلها وتعظيمها مما ثبت بالعمومات ، وبالروايات الخاصة من طرق أهل البيت عليهمالسلام الذين جعلهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قرناء للكتاب
__________________
(١) انظر التعليقة رقم (٢١) بشأن تأويل آية السجود من قبل بعض أصحاب الكشف ، في قسم التعليقات
(٢) انظر التعليقة رقم (٢٢) لمعرفة ما قاله تعالى لإبليس في ترك السجود ، في قسم التعليقات.