بدايتها على تمجيد الله سبحانه ، والثناء عليه بما هو أهله واشتملت في نهايتها على سؤال الهداية منه. وبين تلك البداءة وهذه الخاتمة أنزل الله تعالى قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فهو نتيجة للتمجيد السابق وتوطئة للسؤال اللاحق ، فإن في التمجيد السابق ملاك حصر العبادة والاستعانة به تعالى فالمستحق للعبادة إنما هو الله بذاته برحمته وسلطانه ، وغيره لا يستحق أن يعبد أو يستعان به.
وإذا كانت العبادة والاستعانة منحصرتين بالله سبحانه فلا مناص للعبد من أن يدعو ربه الذي حصر عبادته واستعانته به. ومن هنا ورد عن الطريقين «أن الله تبارك وتعالى قد جعل هذه السورة نصفين : نصف له ونصف لعبده ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، يقول الله تعالى : مجّدني عبدي ، وإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم ، قال الله تعالى : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» (١).
ثم إنك عرفت أن الطريق التي يسلكها البشر في أعمالهم وإيمانهم ثلاثة :
أحدها : الطريق الذي مهّده الله لعباده ، يسلكه من هداه الله إليه بفضله وإحسانه.
ثانيها : الطريق الذي يسلكه الضالّون.
ثالثها : الطريق الذي يسلكه المغضوب عليهم. وقد بيّن الله سبحانه مغايرة الطريق المستقيم للطريقين الآخرين ببيان أن سالكي هذا الطريق غير سالكي ذينك الطريقين. وبذلك بيّن أن من اجتنب الطريق المستقيم فلا مناص له من الخذلان ، إما بضلاله فحسب وإما بضلاله مع استحقاقه الغضب الإلهي. أعاذنا الله من الخذلان وهدانا إلى صراطه المستقيم.
__________________
(١) عيون أخبار الرضا ـ باب ما جاء عن الرضا من الأخبار المتفرقة ص ١٦٦ ، طبعة إيران سنة ١٣١٧ ه. وتقدم نظير هذا عن أبي هريرة في الصفحة ٤٤٢ من هذا الكتاب.