أيام ، ومرّت عليه أعوام. نعم لا بد من أن يقع في التناقض والتهافت من حيث يريد أو لا يريد ، لأن ذلك مقتضى الطبع البشري الناقص إذا خلا من التسديد. وقد قيل في المثل المعروف : «لا حافظة لكذوب».
وقد تعرض القرآن الكريم لمختلف الشئون ، وتوسّع فيها أحسن التوسع فبحث في الإلهيات ومباحث النبوات ، ووضع الأصول في تعاليم الأحكام والسياسات المدنية ، والنظم الاجتماعية ، وقواعد الأخلاق. وتعرّض لأمور أخرى تتعلق بالفلكيات والتاريخ ، وقوانين السلم والحرب ، ووصف الموجودات السماوية والأرضية من ملك وكواكب ورياح ، وبحار ونبات وحيوان وإنسان ، وتعرض لأنواع الأمثال ، ووصف أهوال القيامة ومشاهدها فلم توجد فيه أية مناقضة ولا أدنى اختلاف ، ولم يتباعد عن أصل مسلم عند العقل والعقلاء. وربما يستعرض الحادثة الواحدة مرتين أو أكثر ، فلا تجد فيه أقل تهافت وتدافع. وإليك قصة موسى عليهالسلام ، فقد تكررت في القرآن مرارا عديدة ، وفي كل مرة تجد لها مزية تمتاز بها من غير اختلاف في جوهر المعنى.
وإذا عرفت أن الآيات نزلت نجوما متفرقة على الحوادث ، علمت أن القرآن روح من أمر الله ، لأن هذا التفرق يقتضي بطبعه عدم الملاءمة والتناسب حين يجتمع. ونحن نرى القرآن معجزا في كلتا الحالتين ، نزل متفرقا فكان معجزا حال تفرقه ، فلما اجتمع حصل له إعجاز آخر. وقد أشار إلى هذا النحو من الإعجاز قوله تعالى :
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) «٤ : ٨٢».