الحضارة في أقطار الأرض وأرجائها. قال ألدوري (١).
«وبعد ظهور الذي جمع قبائل العرب أمة واحدة ، تقصد مقصدا واحدا ، ظهرت للعيان أمة كبيرة ، مدّت جناح ملكها من نهر تاج إسبانيا إلى نهر الجانج في الهند ، ورفعت على منار الإشادة أعلام التمدن في أقطار الأرض ، أيام كانت أوروبا مظلمة بجهالات أهلها في القرون المتوسطة. ثم قال : إنهم كانوا في القرون المتوسطة مختصين بالعلوم من بين سائر الأمم ، وانقشعت بسببهم سحائب البربرية التي امتدت على اوروبا حين اختل نظامها بفتوحات المتوحشين» (٢).
نعم إن جميع ذلك كان بفضل تعاليم كتاب الله الكريم الذي فاق جميع الصحف السماوية. فإن للقرآن في أنظمته وتعاليمه مسلكا يتمشى مع البراهين الواضحة ، وحكم العقل السليم ، فقد سلك سبيل العدل ، وتجنّب عن طرفي الإفراط والتفريط. فتراه في فاتحة الكتاب يطلب عن لسان البشر من الله الهداية إلى الصراط المستقيم بقوله :
(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) «١ : ٦».
وهذه الجملة على وجازتها واختصار ألفاظها واسعة المعنى بعيدة المدى. وسنتعرض لما يتيسر من بيان ذلك عند تفسيرنا للآية المباركة إن شاء الله تعالى.
وقد أمر القرآن بالعدل وسلوك الجادة الوسطى في كثير من آياته. فقال :
__________________
(١) هو أحد وزراء فرنسا السابقين.
(٢) صفوة العرفان لمحمد فريد وجدي ص ١١٩.