فإن هذه الآية الكريمة نزلت بمكة في بدء الدعوة الإسلامية ، وقد أخرج البزار والطبراني في سبب نزولها عن أنس بن مالك : أنها نزلت عند مرور النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على أناس بمكة ، فجعلوا يغمزون في قفاه ، ويقولون : «هذا الذي يزعم أنه نبي ومعه جبرئيل» (١). فأخبرت الآية عن ظهور دعوة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ونصرة الله له ، وخذلانه للمشركين الذين ناوءوه واستهزءوا بنبوته ، واستخفوا بأمره. وكان هذا الإخبار في زمان لم يخطر فيه على بال أحد من الناس انحطاط شوكة قريش ، وانكسار سلطانهم ، وظهور النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عليهم.
ونظير هذه الآية قوله تعالى :
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ* ٦١ : ٩).
ومن هذه الأنباء قوله تعالى :
(غُلِبَتِ الرُّومُ ٣٠ : ٢. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ : ٣).
وقد وقع ما أخبرت به الآية بأقل من عشر سنين ، فغلب ملك الروم ، ودخل جيشه مملكة الفرس.
ومنها قوله تعالى :
(أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ ٥٤ : ٤٤. سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) : ٤٥).
فأخبر عن انهزام جمع الكفار وتفرّقهم وقمع شوكتهم ، وقد وقع هذا في يوم بدر أيضا حين ضرب أبو جهل فرسه ، وتقدم نحو الصف الأول قائلا : «نحن ننتصر اليوم
__________________
(١) لباب النقول ص ١٣٣ جلال الدين السيوطي.