٥١ ـ (وَأَنْذِرْ بِهِ) بالقرآن (الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) وهم المهتدون بالفعل ومن ترجو هدايتهم بالإنذار والتكرار (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) بعض الذين يستمعون إليك يا محمد يؤثر فيهم كلامك ، ويشعرون بالخوف من الله في أعماقهم ، فامض معهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، فإنهم يهتدون ويتقون.
٥٢ ـ (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) صباحا ومساء (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) تعالى (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) في الآية ٤ من القلم و ١٢٨ من التوبة ، يشهد سبحانه لنبيه الكريم بأنه على خلق عظيم وبالمؤمنين رؤوف رحيم ، وهنا يقول له : «(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) ... (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ)» إذن هناك سر .. أجل ، وخلاصة هذا السر أن مجلس الرسول (ص) لا يكاد يخلو من فقراء المؤمنين فقال له بعض من نفخ الشيطان بأنفه من أهل الشرك : اطرد هؤلاء المساكين حتى نأتيك ، ونسمع منك. فنزلت الآية لتفهم الذين طلبوا الطرد أنهم أولى به ، وأن المساكين أفضل شأنا عند الله وأعظم قدرا.
٥٣ ـ (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) ابتلينا المترفين الذين يستهلكون ولا يعملون ، بالكادحين البائسين (لِيَقُولُوا) المترفون ، واللام للعاقبة مثل لدوا للموت (أَهؤُلاءِ) الكادحون (مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) تماما كما قال فرعون عن موسى : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) ـ ٥٣ الزخرف».
(أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) لا طبقات عند الله في المال والجاه والنسب ، بل درجات في الجهاد والعمل النافع حتى الإيمان والإخلاص عمل كله ، ولا إيمان ولا إخلاص بلا عمل.
٥٤ ـ (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا) ليس المراد بالمؤمن من اسودت جبتهه من أثر السجود وكفى ، بل من ابيضت نفسه وطابت ، وصفت دخيلته وخلصت من الحقد والحسد (فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) تحية أهل الجنة (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ) تفضلا منه وكرما (الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ) بسفاهة لأن من أقدم على عمل السوء عن علم وعمد فهو أسوأ حالا من الجاهل (ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ) صادقا (وَأَصْلَحَ) في عمله مخلصا (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ومن رحمته أنه يحب التوابين.
٥٥ ـ (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) في صفات الصالحين والطالحين (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) ونفهم من هذا أن فضيحة المجرمين والخائنين مندوبة وفضيلة.
٥٦ ـ (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ) عقلا ووحيا (أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) وأي عاقل يعبد ما لا يضر ولا