كل من يجحد الخالق واليوم الآخر أو يسيء إلى عيال الله ولو مثقال ذرة ـ فهو ظالم ، وما من ظالم على الإطلاق إلّا ويلاقي جزاء ظلمه في الدنيا قبل الآخرة ولو ساعة الاحتضار ونزع الروح من جسده حيث تؤخذ منه بالتنكيل والعذاب الوبيل ، قال علي أمير المؤمنين (ع) : «الموت للمؤمن كنزع ثياب وسخة ، وفك قيود وأغلال إلى أفخر الثياب ، وآنس المنازل ، وهو للكافر كخلع ثياب فاخرة إلى أوسخها وأخشنها ، ومن المنازل الأنيسة إلى أوحشها وأعظم العذاب».
٩٤ ـ (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا) بصيغة الماضي ، ومعناها المستقبل أي تجيئوننا (فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي منفردين لا مال ولا رجال ولا ما كنتم تعبدون من دون الله (وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ) للوراث ، لهم النعيم والخيرات وعليكم الحساب والتبعات (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) زعمتم أن السيد المسيح (ع) أو غيره اشتركوا مع الله في خلقكم أو رزقكم ، فأين هم؟ (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) تولدون يوم القيامة ولادة جديدة تماما كما خرجتم من بطون الأمهات مع فارق واحد ، وهو أنكم في الولادة الأولى لا تسألون عن شيء ، وفي الثانية تسألون عما كنتم تقولون وتعملون.
٩٥ ـ (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِ) بالنبات (وَالنَّوى) بالشجر ، ولكن بواسطة الماء والتراب والهواء (يُخْرِجُ الْحَيَ) النبات والشجر (مِنَ الْمَيِّتِ) الحب والنوى (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) كما يخرج سبحانه من الحب الجامد نباتا ناميا كذلك يخرج من النبات النامي حبا جامدا ، كل ذلك يحدث بأسبابه الطبيعية ، وبكلمة إن عظمة الله سبحانه لا تتجلى بإيجاد الطبيعة كيف اتفق ، بل وبما أودع فيما من نظام ونواميس وأسباب لا يستقيم الكون والحياة إلا بها (ذلِكُمُ) الحكيم المدبر هو (اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) كيف تنصرفون عنه إلى غيره؟
٩٦ ـ (فالِقُ الْإِصْباحِ) كناية عن النهار الذي يسعى فيه الإنسان لرزقه وتدبير شئونه (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) يسكن فيه الإنسان ، ويستريح من عمل النهار (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) لحساب الأوقات ومعرفتها (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) ومن تقديره تعالى وحكمته أنه جعل الأرض في مكان تتحرك فيه تلقائيا وآليا حركتين : حركة تتم في ٢٤ ساعة ، وعليها مدار حساب الأيام ، وحركة تتم في سنة وبها توجد الفصول الأربعة ، وعليها مدار حساب السنة ٩٧ ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) والمراد بالنجوم هنا ما عدا الشمس والقمر من النيرات ، وهي من أهم العلامات التي يهتدي بها الملاح في سفينته ، والراكب في سيارته ، والمرتحل على راحلته.
٩٨ ـ (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) لم تلد عبدا ولا أمة ، بل الحياة الاجتماعية هي التي أولدت العبيد حيث لا آلة وأداة للعمل إلا الأيدي وكفى ، وتكلمنا عن ذلك مفصلا في بعض مؤلفاتنا.