١٥ ـ (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) استنصر الأنبياء ربهم على قومهم بعد اليأس من هدايتهم فاستجاب ، وأهلك الطغاة والمستبدين.
١٦ ـ (مِنْ وَرائِهِ) أي بين يدي الجبار العنيد (جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) وفي بعض التفاسير : «أن الصديد خليط من قيح ودم ، يسيل من فروج الزناة في النار» وهذه أبشع صورة وأفظع عقاب للطغاة والزناة ، هؤلاء يبولون الصديد ، وأولئك يكرعون منه ويتجرعون! فيا له من درس لمن اعتدى أو يعتدي على عرض أو نفس أو حرية أو مال! سبحانك ربنا ما خلقت عذابك هذا إلا بالحق والعدل وما أخذت به إلا من هو أهل لأكثر منه ، ١٧ ـ (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) لنتنه وقذارته وحرارته ومرارته ، فإذا بلغ الأمعاء قطعها ، وأذابها حتى تخرج من أسفله ، ثم تتبدل الأمعاء من جديد ويكرع. وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية أو يشاء الله.
١٨ ـ (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) وكل من يعمل الخير بدافع شيطاني تجاري لا إلهي إنساني ـ فهو بحكم الذين كفروا من حيث الأجر والثواب. وفي نهج البلاغة : «اعملوا بغير رياء ولا سمعة ، فإنه من عمل لغير الله يكله الله إلى من عمل له» (لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ) لا يرون يوم القيامة ثوابا لعملهم ، وإن كان خيرا لأنه وسيلة الماكر المحتال (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) كل البعد عن الخير والهداية.
١٩ ـ ٢٠ ـ (أَلَمْ تَرَ) ألم تعلم ، والخطاب موجه لكل من يقرأ ويسمع (أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) لحكمة اقتضت ذلك. ومن طبيعة العالم القادر أن يعمل بموجب علمه وقدرته ، وإلا فأية جدوى من العلم والقدرة (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) أجل من خلق الكون بمن فيه وما فيه قادر على أن يفنيه ، ويأتي بغيره بمجرد أن يريد ذلك بلا آلات وأدوات ، وجوارح ومواد.
٢١ ـ (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) يخرج كل الخلائق يوم القيامة من القبور ويقفون بين يدي الله لنقاش الحساب ، وجاء الفعل بصيغة الماضي ، لأنه محقق الوقوع (فَقالَ الضُّعَفاءُ) وهم الأتباع للقادة الأقوياء (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) وهم الأقوياء الذين استنكفوا عن دعوة الحق ، وحاربوه بكل سلاح : (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) في الحياة الدنيا ، نسمع لكم ونطيع. وفي نهج البلاغة : لا تطيعوا الأدعياء الذين شربتم بصفوكم كدرهم ، وخلطتم بصحتكم مرضهم ، وأدخلتم في حقكم باطلهم (فَهَلْ أَنْتُمْ) الآن وفي ساعة العسر هذه (مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أين قوتكم التي كنتم تشمخون بها وتتعالون؟ (قالُوا) أي القادة للأتباع : (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) المراد بالهداية هنا النجاة والخلاص من عذاب الله ، لأن الجواب يأتي على