وفق السؤال (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) أبدا لا مهرب من موقف العرض والحساب وموضع الثواب والعقاب. وتدلنا هذه الآية على أن ظلم الظالم ليس بأسوأ عند الله من صبر المظلوم على الظلم ، وأن عليه أن يجاهد في سبيل حقه بكل ما يملك من طاقة ، وما من شك أن الموت دفاعا عن الحرية والكرامة خير ألف مرة من حياة الذل والهوان ، قال الإمام علي (ع) : «الموت في حياتكم مقهورين ، والحياة في موتكم قاهرين». وأخيرا ، هل جرّأ الظالم على ظلمه إلّا سكوت المظلوم عنه؟ ولو علم الظالم أن بين جوانح المظلوم نفسا أبية لتحاماه.
٢٢ ـ ٢٣ ـ (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) وجاء الحق وزهق الباطل ، ودالت دولة أنصار الشيطان وأعوانه : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ) في كتبه وعلى لسان رسله ، وأن الجنة لمن أطاع ، والنار لمن عصى (وَوَعَدْتُكُمْ) وقلت لكم : إن الجنة والنار كلام فارغ وحديث خرافة (فَأَخْلَفْتُكُمْ) لأنه لا يملك إلا التضليل والتزوير ، ولا يصدقه ويتبه إلا من عمي عن الحق لجهل أو هوى (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) من قوة قاهرة أو حجة ظاهرة .. هذا هو الشيطان في واقعه تماما كالتاجر ، يعرض السلعة في الأسواق على المستهلكين ، ويدعوهم إليها بكل ما يملك من وسائل الرواج والإغراء ، وللمستهلك أن يختار ، ولكن العاقل لا يأخذ بشهادة من يجر النار إلى قرصه والمنفعة إلى نفسه ، بل ينظر ويبحث ، ولا يقدم إلا بعد العلم واليقين ، ودعوة الشيطان وحجته زور وبهتان بشهادته واعترافه ، (إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ) بلا حجة أو بحجة زائفة كاذبة (فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) بنفس راضية تمام الرضا إذن (فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) حيث تركتم الحجة اللازمة الكافية ، واتبعتم الحجة الكاذبة الزائفة (ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ) الصارخ هو المستغيث ، والمصرخ هو المغيث ، والمعنى أن الشيطان قول غدا لحزبه وأتباعه : ما أنا بمغن عنكم شيئا ، وما أنتم مغنون عني شيئا ، وليست بيني وبينكم أية صلة (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) إبليس يجحد بالشرك ، ما في ذلك ريب ، لأنه علامة وفهامة! ولكنه إمام الدعاة إلى الشرك وأتباعه الذين على سنته ، يطرون ويدعون إلى من يفسد في الأرض ، وهم أعلم الناس بمساوئه ومثالبه.
٢٤ ـ (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً) وهي كلمة الحق والخير التي تشمل بمفهومها العام كل كلمة تهدي إلى التي هي أقوم ، وتدفع بالحياة إلى ما هو أفضل وأحسن (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ) لا تزعزعه أعاصير الأكاذيب والافتراءات ، ولا معاول الدس والمؤامرات (وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) بعيد عن أوباء الأرض وأقذارها.
٢٥ ـ (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) لا تجود آنا وتبخل آنا ، بل تفيض بالخيرات ما بقي الليل والنهار (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) فيشبه المعنى الباطن غير المحسوس بالمعنى الظاهر المحسوس ، ليفهم الناس الهدى فيتبعوه ، والضلال فيجتنبوه.
٢٦ ـ (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ) وهي كلمة السوء والشر (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) بثمارها وآثارها (اجْتُثَّتْ