مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) هذا أصدق مثل للباطل وأهله ، وأنهم يبنون من غير دعائم وأساس ، فإذا هبت رياح الحق أتت على بنيانهم من القواعد.
٢٧ ـ (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) المراد بالمؤمنين هنا الذين ترجموا إيمانهم بالإخلاص والعمل الصالح ، ومعنى تثبيتهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا أن الله سبحانه قد أخبرهم في كتابه وعلى لسان نبيه أنهم في رعايته وعنايته ، أما تثبيتهم في الآخرة فهو بالأمن والأمان من الأفزاع والأسقام والتعرض للأخطار (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) لأنهم ظالمون كما قال سبحانه : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) .... (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) ـ ٢٦ و ٢٧ البقرة.».
٢٨ ـ ٢٩ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) نقل الطبري في تفسير هذه الآية أن عمر بن الخطاب قال : الذين بدلوا نعمة الله كفرا. وأحلوا قومهم دار البوار هما الأفجران : بنو المغيرة وبنو أمية ، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر ، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين. ومثله في تفسير ابن كثير نقلا عن علي وعمر.
٣٠ ـ (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) جمع ند ، وهو المثل والشريك ، والضد المخالف ، وأيضا يطلق على المثل والنظير ، وبعض الناس يجعلون مع الله شركاء في خلقه ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، ولكن النتيجة سفاهة وضلالة وعليه تكون اللام في قوله (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) للعاقبة لا للتعليل تماما كاللام في قول القائل : لدوا للموت وابنوا للخراب (قُلْ) يا محمد للمشركين : (تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) وامتثل النبي (ص) فذكّر وحذر ، ولكن أكثر الناس لا يفهمون إلا بلغة المكاسب والأرباح.
٣١ ـ (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) التي تذكّر المصلي بالله ، وتردعه عن الجرائم والمآثم ، وتبعث فيهم روح الحرية وعدم العبودية إلا للواحد القهار (وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) وإنفاق المال في سبيل الله والصالح العام عزة وقوة للإسلام والمسلمين.
٣٢ ـ ٣٣ ـ (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ـ إلى قوله تعالى ـ (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) كل ما جاء في هاتين الآيتين من ذكر السموات والأرض والبحر والفلك والشمس والقمر والليل والنهار ـ تقدم ويأتي ، وتسأل : لما ذا يعيد القرآن الكريم ويكرر الآيات الكونية وهي واضحة بلا تفسير؟ الجواب : فعل القرآن ذلك إيقاظا للبصائر والأبصار لكي تستدل بمظاهر الموجودات على وجود الله تعالى ، وأن هذه الكائنات بنظامها وإتقانها ، لا تكون ويستحيل أن تكون صدفة واتفاقا ، بل استدلّ بعض العارفين على نبوة محمد (ص) وصدقه ، بهذا الإمعان والاستغراق في الاستدلال بالكون وأسراره ، حيث يستحيل على ذهن محمد (ص) بحكم بيئته أن يدرك كل ما ذكره القرآن في هذا الباب ، إضافة إلى التركيز عليه والاهتمام به بالتكرار والإعادة مرات ومرات.